الشيطان... إنه اللعين، الذي أغوى آدم وزوجه، فأخرجهما من الجنة، إنه المطرود من رحمة الله إلى يوم الدين، إنه منبع الشرور والآثام، هو الذي يقود المعركة مع الإنسان؛ ليقوده للهلاك الدنيوي والأخروي.
إذن لماذا خلقه الله وهو يدعو إلى الكفر به؟! لماذا خلقه وهو عدو الإنسان اللدود؟! لماذا خلقه وقد سماه (إبليس) بمعن اليائس من رحمة الله؟! حتماً إن هناك حكم عظيمة وبالغة في خلق إبليس، وإن من الحكم في خلقه ما لا يحيط بتفصيله إلا خالقه -جل وعلا-.
وسأذكر هنا بعضاً من هذه الحكم، إجابة على سبب خلق الشيطان، وأهمية وجوده:
ما يكمل للأنبياء والأولياء من مراتب العبودية، من خلال مجاهدة عدو الله، وعدو البشرية جمعاء؛ وبالتالي تحصل إغاظته بالتقرب، والتمسك بدين الله، ومن هنا ندرك أن الموقوف على الشيء لا يحصل بدونه.
خوف الإنسان من ارتكاب الذنوب، فبعد أن علم الإنسان كيف طُرد إبليس من رحمة الله، وأصبح مقامه في أخس المقامات والمنازل؟ بعد أن كان قد حصل على مقام ملكي، تساوى فيه مع الملائكة، لما شاهدوا ذلك، أصبح لديهم عبودية وخضوع أعمق لله تعالى؛ وبالتالي خوفهم وحذرهم يكون أشد.
أن يكون عبرة وآية لباقي المخلوقات، فكل من خالف أمر الله -عز وجل-، وتكبر على العبادة والطاعة، سيعلم جيداً أنه سيطرد من رحمة الله تعالى، ويؤول إلى ما آل إليه إبليس وأتباعه.
الشيطان فتنة وابتلاءً للعباد، حتى يميز الله سبحانه الخبيث من الطيب، ويمحص المؤمنين. كان لا بد من وجود إبليس، ليرى سبحانه من سيصبر؟ ومن سيكفر؟ فاقتضت حكمة الله أن يخلط الناس جميعاً في دار الامتحان، ولما ينتهوا إلى دار القرار يميز بينهم، ويجزيهم حسب أعمالهم.
الضد يظهره الضد، لولا وجود الشر، لما علمنا الخير، فالحسن يظهره القبيح، والضد يظهره نقيضه الآخر، والفقر لم يعرف إلا من خلال الغنى، فوجود الشيطان الخبيث، يجعلنا ندرك الصالحين من بني البشر.
معجزة خلقه من نار، فأصل إبليس النار الحارقة، والمادة التي خُلق منها تحرق وتفسد الأشياء، أما مادة خلق الإنسان من الطين، التي منها الطيب والخبيث، وهكذا هم الناس. حتى تتحقق أسماء الله سبحانه وصفاته في العباد، فلو لم يخلق إبليس، لما وجد الشر والكفر والطغيان، ولعبد الناس جميعاً الله -عز وجل-، ولم يذنب أحد، فكيف تتحقق صفة الغفور الذي يغفر الذنوب؟! وكذلك أسماء وصفات كثيرة منها الاحسان، والرحمة، والرزق وغيرها.
خلق إبليس من تمام حكمة الله -سبحانه وتعالى-، فحكمته سبحانه تستلزم أن يكون كل شيء قد وضع بالمكان الذي يليق به، فاقتضى خلق الأضداد والمتضادات، وهذا يدل على كمال قدرة الله تعالى أيضاً.
ما يترتب على خلق الشيطان من محبوبات الرحمن، فبسبب وجود إبليس اللعين كان الإنسان أكثر حباً ورجاءً لله سبحانه، وأكثر خوفاً من إغواء الشيطان له؛ وبالتالي تحصل مجاهدة للمعصية، وتقوى على الطاعة، فيتصل الإنسان في حب الله حينما يخالف هواه، ويتغلب على شهوته، كما أنه يتحمل المشاق والمكاره والأذى لأجل أن يتصل بحبل الله المتين، وهذا من محبوبات الرحمن، التي يباهي بها ملائكته.
كما أن الله سبحانه خلق الشيطان، ليتولى المجرمين، الذين أخذتهم العزة بالإثم والأنفة، أشركوا بالله سبحانه، وبغوا في البلاد، وضلوا وأضلوا.