بعض قصص شباب ادمنو مخدرات"أشعر بحسرة كبيرة على ما فات من عمري وما ضاع من صحتي".. ولا أعرف إن كان قد فات الأوان أم لا، خاصة وأني لا أملك تكاليف العلاج".. هذه آهات أحد الشباب اللذين وقعوا في شراك إدمان المخدرات، وقد راحت صحته هباءً وهو ما زال في ريعان شبابه، وأصبح لا يملك مليماً بل وقد سيطر على أموال معظم أفراد أسرته لشراء المخدرات، هذا إن لم يكن قد سرق من مكان أو آخر للحصول على المال الكافي لشراء هذه السموم
تباع في العلن!
تواصلنا مع بعض الشباب الذي جرت قدميه في هذا الوحل المخدرات حيث يقول ماهر قناوي والذي يؤكد بيع المخدرات كما يباع الأرز والسكر والزيت والحليب لتدمير الشباب: "ذات مرة كنت في السوق لشراء بعض الخضراوات لأمي فوجدت سيارة فارهة جداً تقف وتخرج منها سيدة تغطي وجهها بنظارات سوداء، وأعطت كيساً لأحد الشباب وانطلقت مسرعة، وأخذت أبحث خلف الموضوع فعرفت أنها تجلب المخدرات للشباب بثمن رخيص جداً، وكأنها تتعمد إصابة الشباب بهذا السرطان المدمر!".
ويضيف م.ك – 28 عاماً: "للأسف الشباب يشجع بعضه على التعاطي، كما يساهم تجمع الأصدقاء والسهر معا في ذلك، فقد كنا نجتمع شباباً وفتيات، ونحضر البانجو ونسهر نتعاطى حتى الفجر ، لذلك يجب على الآباء والأمهات الانتباه على أصدقاء أبنائهم، لأن الصحبة الفاسدة أسوأ ما في الأمر، فإذا كان أحد الشباب يجلس مع أصدقاءه وهو ليس مدمناً فيجب أن يتعاطى معهم كمحبة، بل وإذا كان أحد الأصدقاء في أزمة وتوجه إلى المخدرات فيجب أن يتعاطى معه صديقه من باب التعاطف والمشاركة الوجدانية.
فقد كنت أظن أن التعاطي قوة، ومعرفة من حولي أني مدمن سيجعلني قوياً ويهابني الجميع، ولا يسخر مني الشباب بل ولا يستطيع أحدهم الوقوف أمامي، فبالإدمان كنت أظن أنني لست ضعيفاً أو غلبان على حد قول من حولي، لكن لأسف اكتشفت أن المدمن هو أضعف إنسان في الدنيا كلها، لأنه ضعيف أمام هذا المخدر وحياته كلها تعلقت به".
رجولة المدمن!
ولم يختلف معه حمدي – 24 عاماً: " التحقت بإحدى الجامعات الخاصة، وكان الشباب يتسابقون أمام بعضهم على – قيم الرجولة من وجهة نظرهم – وهي من يستطيع أن يدخن أكثر ولا تتدهور صحته، ومن يدمن وتتجمهر حوله الفتيات فهو الأكثر رجولة، وفي بداية الجامعة كان الشباب يعايرونني بأني عديم الرجولة، وكانت خطوة خطوة حتى سقطت في مستنقع الإدمان".
ويعتقد بعض الشباب أن المجتمع من حوله هو السبب في توجهه للإدمان حيث يقول أحمد – 26 عاما ب
شديد: " عندما يتخرج الشاب منا ولا يجد عمل ولا يجد زواج ولا يجد شيء يشغل وقته، ويجد المتدينين مأواهم السجون، فكيف تعتقدون أن حياتهم ستكون، بالتأكيد ضياع وإدمان ومخدرات وجريمة، الحكومات تتحمل مسئولية كل شيء، قعدة البيت بسبب البطالة لها نتائج سلبية مدمرة على الشباب خاصة من يعاني شخصية مذبذبة، فبدلاً من أن يفكر في شيء مفيد يستثمر به وقته، يلجأ للإدمان لأنها سهلة و موجودة في متناول اليد وسعرها ليس مرتفعاً".
أسرنا هي السبب
ورمى بعض الشباب اللوم على أسرهم حيث يقول هشام 29 عاماً: " عدم التوعية من الآباء أو عدم الاهتمام الكافي بأبنائهم هو السبب الرئيسي لتوجههم إلى الإدمان، فقد نشأت أنا على أن افعل كل ما أريد بدون أن يعرف أحد من أهلي أو حتى بدون أن يقولوا هذا خطأ، فلا يوجد أي رقابة منهم، لأنهم أصلاً غير موجودين بجانبي وإذا تواجدوا فبلا قيمة، الشاب عندما ينشأ في بيئة كهذه يشعر إنه لا أهمية له في الحياة، لا أحد يشعر به في البيت و من هنا يعاني نقص شديد بداخله وهذا شعور قاتل للشباب يؤدي بهم إلى الإدمان حتماً".
أما محمد يحي 26 عاماً : " فقد كان أكثر صراحة و صدقاً مع نفسه والذي عبر قائلاً:" لا ألوم غير نفسي في البداية والنهاية، فأنا إنسان بالغ و عاقل، أعرف الصواب من الخطأ، أستطيع أن أحدد ما ينفعني و ما يضرني، و أفعل ما أريد بإرادتي الكاملة، لكن أحتاج لبعض الإرادة والعزيمة، يجب أن أخلق لنفسي من تحت الأرض هدف وعمل أشغل به نفسه وسيكون بعدها من السهل جداً البعد عن هذا الداء والانضباط، قد يكون الأهل سبب لجوء الشباب إلى الإدمان أو الحكومات، لكن لا أوجه لهم اللوم، فأنا أستطيع أن أبحث كما قلت عن عمل أو حتى الاتجاه لعمل مشروع خاص بي من ادخار ما أنفقه على المخدرات!
ندم ما بعده ندم
ويضيف عبد ربه 26 عاماً: "أشعر بندم كلما تذكرت دموع أمي عندما كنت مدمنًا، أتذكر قلقها وخوفها علي، أتذكر سمعة أخواتي البنات التي كدت أضيعها لكني لا أريد أن أسترجع هذه الأيام أبدا؛ لأني أبدأ حياتي الآن من جديد، وقتها كنت أشعر أني أهلكت صحتي بطريقة عنيفة وأنا في مقتبل عمري، والصحة الشيء الوحيد الذي لا يعوض في هذه الدنيا، كما كنت أمتلك مبلغا من المال احتفظت به لأبدأ في مشروع صغير أبني منه نفسي وحياتي، لكن راحت هذه النقود بلا قيمة على المخدرات".
الإدمان في سطور
الإدمان هو تعاطي مادة تشعر المدمن برغبة ملحة قهرية في أن يتعاطى هذه المادة مهما كان الثمن، والمخدر هو كل مادة تؤثر على العقل أو الجهاز العصبي، مما يضر بالفرد جسميا ونفسيا واجتماعياً.
ومن أسباب توجه بعض الشباب إلى الإدمان كما تشير الدراسات معاناته من بعض الاضطرابات النفسية العميقة، وتأثير أصدقاء السوء ووسائل الإعلام المدمرة، أو الرغبة في التخلص من متاعب جسمية وإرهاق، أو حب الاستطلاع، أو الرغبة في الترويح ، والتأثر بفكرة أن المخدرات تزيد السرور والانشراح والمتعة ، مع وجود مشكلات اجتماعية وأسرية كالبطالة والتفكك الأسري والفقر والإحباط والقلق والتوتر، بالإضافة إلى الرغبة في مواجهة مشكلات نفسية تنتج عن شعور الفرد بأنه منبوذ أو غير محبوب من الآخرين، أو تأثر الشباب بأحد الأفراد المدمنين في العائلة.
وتشير الدراسات العلمية إلى وجود ارتباط وثيق بين الإقامة مع الأسرة والامتناع عن تعاطي المخدرات ، فغير المتعاطين يغلب بينهم أن يكونوا مقيمين مع أسرهم، على حين يقترن التعاطي أحيانا بالإقامة بعيداً عن الأسرة، ويفسر أساتذة علم النفس والاجتماع هذا العامل بأن غياب الأسرة يحرم الشخص من وظيفتين رئيسيتين هما حق الرقابة، والإشباع العاطفي أو المساندة العاطفية، كما يكون إهمال ألآباء لأبنائهم أحياناً دور في توجههم لإدمان، وعدم اهتمامهم بمشاكل أبنائهم ومستقبلهم، وتركهم دون توجيه أو مساندة، خاصة مع عدم وجود من يلجأ إليه الأبناء عند الضرورة، كما أن ضمور الوازع الديني لدى الشباب من الأسباب الرئيسية لتوجههم إلى الإدمان والمخدرات والخمور والجنس.
مفاهيم مدمرة
وأخيراً فظروف المجتمع المحيط بالشباب أو المراهقين قد تشجع على تعاطي الخمور والمخدرات والتدخين، لذلك فإن تعليم الأبناء الاعتماد على أنفسهم والثقة في قراراتهم المبنية على حسن التقدير وعدم الانجراف وراء قرارات الآخرين هو العامل الأساسي الذي سوف يجعلهم يرفضون تعاطي المخدرات حتى لو تعاطاها كل أصدقائهم .
وهناك قيم ومفاهيم خاطئة يجب على الآباء والأمهات وكل التربويين تصحيحها عند الشباب والمراهقين فهم يظنون أن:
ـ التعاطي رجولة .
ـ إن المخدر يجعل المتعاطي ينسى همومه ومشاكله .
ـ إن المخدرات تخفف من العصبية .
ـ إن المخدرات تسبب الإثارة الجنسية .
ـ إن التعاطي يعطي طاقة أكبر على العمل.
ـ إن المتعاطي يلفت نظر الفتيات.
ـ التعاطي مصدر قوة وسلطة.
ـ إن المخدر يجعل المرء ينسى مشاكله ويسليه
وإنقاذ مدمن يحتاج إلى صبر – إلى النفس الطويل –وإلى الاستمرارية بدون توقف إلى المثابرة بدون كلل ، إلى التصميم بدون تراخ، إذا بدأت في إنقاذ إنسان يهمك فعليك أن تواصل للنهاية، وبذلك يتحقق النصر الفعلي، وعلاج الإدمان ليس في توقف المدمن عن التعاطي، هذه خدعة طبية كبرى، التوقف عن التعاطي هو الدرجة الأولى أو هو الخطوة الأولى في طريق طويل، وأسهل خطوة في هذا الطريق هو التوقف عن التعاطي، أما العلاج الحقيقي وهو الأصعب وهو الذي يحتاج إلى إخلاص حقيقي من المعالج فهو أن يستمر في التوقف، وذلك لن يكون إلا بعلاج الأسباب التي أدت إلى التعاطي.
طالع ايضا