الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما سألت عنه ليس في سورة طه بل هو جزء من الآية السادسة من سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث يقول تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام مخاطبا قومه بنى إسرائيل:
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ {إبراهيم:6 وجاء هذا السياق أيضا في الآية رقم: 49 من سورة البقرة.
قال الإمام الطبري مفسرا لهذه الآية:
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر، يا محمد، إذ قال موسى بن عمران لقومه من بني إسرائيل: اذكروا نعمة الله عليكم، التي أنعم بها عليكم، إذ أنجاكم من آل فرعون، يقول: حين أنجاكم من أهل دين فرعون وطاعته، يسومونكم سوء العذاب، أي يذيقونكم شديد العذاب، ويذبحون أبناءكم، مع إذاقتهم إياكم شديد العذاب يذبحون أبناءكم.
وأدخلت الواو في هذا الموضع، لأنه أريد بقوله: ويذبحون أبناءكم، الخبر عن أن آل فرعون كانوا يعذبون بني إسرائيل بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح. وأما في موضع آخر من القرآن، فإنه جاء بغير الواو: (يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبنائكم)، في موضع، وفي موضع (يقتلون أبنائكم)، ولم تدخل الواو في المواضع التي لم تدخل فيها لأنه أريد بقوله: يذبحون، وبقوله: يقتلون، تبيينه صفات العذاب الذي كانوا يسومونهم. وكذلك العمل في كل جملة أريد تفصيلها، فبغير الواو تفصيلها، وإذا أريد العطف عليها بغيرها وغير تفصيلها فبالواو.
إلى أن قال:
وقوله: ويستحيون نساءكم، يقول: ويبقون نسائكم فيتركون قتلهن، وذلك استحياؤهم كان إياهن، انتهى
وقال القرطبي في تفسيره:
والمراد بقوله تعالى: ويستحيون نساءكم يتركونهن أحياء ليستخدموهن ويمتهنوهن، وإنما أمر بذبح الأبناء واستحياء البنات لأن الكهنة أخبروه بأنه يولد مولود يكون هلاكه على يده، وعبر عن البنات باسم النساء لأنه جنس يصدق على البنات. وقالت طائفة: إنه أمر بذبح الرجال واستدلوا بقوله: نساءكم والأول أصح بشهادة السبب، ولا يخفى ما في قتل الأبناء واستحياء البنات للخدمة ونحوها من إنزال الذل بهم وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم لما في ذلك من العار. انتهى