الصلاة فرض على المسلمين لا يصح إسلام العبد بدونها، قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103].
وقال تعالى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14].
وقد أكد الإسلام على هذا الفرض وأعطاه من الأهمية ما لم يعط غيره، ويظهر هذا الأمر جليا ًلمن تفقه في أحكام الصلاة، واطلع على النصوص الشرعية في ذلك، ولست هنا بصدد تبيين الأحكام الشرعية لتارك الصلاة وما أعده الله للقائم بها من النعيم المقيم والسعادة الأبدية، ولكني سأبين بعض المنافع التي حوتها هذه الفريضة العظيمة، والتي أمَرَنا بإقامتها على الوجه الصحيح خالقنا وخالق الناس أجمعين، فأرسل لنا رسولاً من أنفسنا ليشرح لنا كيفية أداء هذا الركن المهم، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»(1).
ولما لهذا الفرض من الأهمية التي لا تخفى؛ فقد أوجب لها الشارع الطهارة الخاصة بها، وإنه لا تصح كذلك الصلاة بدونها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور»(2).
بل أمر الله بها فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6].
وبالإضافة إلى الوضوء فقد حثنا الشارع على أدائها جماعة في المساجد ومنع من أدائها بغير ضرورة في البيوت أو فرادى، ولهذا سأتناول في هذا البحث مزايا وإيجابيات الصلاة على المسلم من الناحية الصحية وأثرها على الدورة الدموية، ضامّاً إليها كذلك الفوائد الصحية للوضوء والمشي إلى الصلاة؛ لما لهما من الارتباط الوثيق الذي لا يكاد ينفك عنها، ولما لهما من الصلة الواضحة في إحداث تلك الآثار الصحية، والتي تناولها علماء الاختصاص بشيء من التفصيل والتدليل العلمي الرصين.
الوضوء:
إن الوضوء ليس مجرد تنظيف للأعضاء الظاهرة، وليس مجرد تطهير للجسد يتـوالى عدة مرات في اليوم؛ بل إن الأثر النفسي والسمو الروحي الذي يشعر به المسـلم بعد الوضوء لشيء أكبر بكثير من ذلك، يشعر به من عاشه حقيقة مع وجود الدافع الإيماني المقترن معه، ولعل السر يكمن في هذا الأخير، خاصة مع إسباغ الوضوء وإتقانه، فللوضوء دور كبير في حياة المسلم، ذلك أنه يجعله دائماً في يقظة وحيوية وتألق، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت الخطايا من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره»(3).
الوضوء من منظور علمي:
إن عملية غسل الأعضاء- المعرضة دائماً للأتربة من جسم الإنسان- لا شك أنها في منتهى الأهمية للصحة العامة، فأجزاء الجسم (اليدان والقدمان والرأس وما فيه من أعضاء حساسة) تتعرض طوال اليوم لعدد مهول من الميكروبات تعد بالملايين في كل سنتيمتر مكعب من الهواء، وهي دائماً في حالة هجوم على الجسم الإنساني من خلال الجلد في المناطق المكشوفة منه، وعند الوضوء تفاجأ هذه الميكروبات بحالة مسح شاملة لها من فوق سطح الجلد، خاصة مع التدليك الجـيد وإسباغ الوضوء، وهو هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وبذلك لا يبقى بعد الوضوء أي أثر من أدران أو جراثيم على الجسم إلا ما شاء الله. وقد ثبت بالبحث العلمي أن الدورة الدموية في الأطراف العلوية من اليدين والساعدين، والأطراف السفلية من القدمين والساقين أضعف منها في الأعضاء الأخرى لبعدها عن المركز المنظم للدورة الدموية وهو القلب.
ولذا فإن غسل هذه الأطراف جميعاً مع كل وضوء ودلكها بعناية يقوي الدورة الدموية، مما يزيد في نشاط الجسم وحيويته. وقد ثبت أيضاً تأثير أشعة الشمس ولا سيما الأشعة فوق البنفسجية في إحداث سرطان الجلد، وهذا التأثير ينحسر جداً مع توالي الوضوء لما يحدثه من ترطيب دائم لسطح الجلد بالماء، خاصة تلك الأماكن المعرضة للأشعة، مما يتيح لخلايا الطبقات السطحية والداخلية للجلد أن تحتمي من الآثار الضارة للأشعة(4).
المشي إلى الصلاة:
لقد حض النبي صلى الله عليه وآله وسلم على صلاة الجماعة في المسجد وبيَّن أن في كثرة الخُطا إلى المساجد الأجر الكبير وكلما كانت المسافة التي يقطعها المصلي أبعد كلما كان الأجر الذي يناله من الله أعظم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم. والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام»(5) وفي رواية أبي كريب: «حتى يصليها مع الإمام في جماعة».
ولما كانت آلة الذهاب إلى المسجد هي المشي على القدمين؛ لأن المسلم مأمور أن يذهب إلى المسجد في كل يوم خمسة مرات فنجد أن المسلم يمشي كل يوم مسافة معينة تتفاوت من مسلم إلى آخر بحسب بعد منزله عن المسجد، فالإسلام أمر المسلم بالمشي إلى المساجد فإذا فرضنا أقل وقت يلزم المسلم للذهاب إلى المسجد والعودة منه هو (5) دقائق، فإن المسلم يمشي كل يوم ما لا يقل عن 25 دقيقة كأقل تقدير، لاشك أن الخالق سبحانه وتعالى حين جعل المشي سمة في كل إنسان علم أنه سيحفظ توازن الإنسان ويحافظ على لياقته لأبسط أنواع الرياضة فبمجرد المشي يكتسب الإنسان الكثير من اللياقة البدنية ويقضي على الكثير من الإمراض التي يمكن أن تعتري الإنسان لكثرة جلوسه وقلة حركته والمشي هو الرياضة الوسطى بين الرياضات، فلا هو بالعنيف فيجهد الجسد ويؤدي إلى تضخم العضلات كما نراه عند الذين يمارسون ألعاب القوى ولا هو سيء لدرجة وصول الإنسان معه إلى الترهل.
لذا كان المشي هو الحل الوسط، إنَّ المسلم المحافظ على أداء الصلوات، يمارس فيها من الحركات البدنية المتكررة ما مجموعها يفوق مجموع الحركات التي يؤديها ممارس التمارين الرياضية - هذا إذا فرضنا أنه يمارس التمارين كل يوم - ولكن إذا علمنا أنَّ معدل ممارسته للتمارين هي ثلاث مرات في الأسبوع أو أقل عندها لا يبقى أي مجال للمقارنة؛ لأن المسلم لا يؤدي الصلاة مرة واحدة في اليوم بل خمس مرات، وبعض الرياضات قد يمنع من ممارستها بعض الفئات من الناس: ككبار السن، ومرضى القلب على سبيل المثال، بينما يستطيع هؤلاء أداء الصلاة لأن أداءها خال من أي خطورة، فحركاتها ليست عنيفة بل ناعمة وتؤدى ببطءٍ وهدوء.
المشي من منظور علمي:
لو ذهبت تسأل أي مدرب رياضي اليوم في أي نادٍ من النوادي المشهورة، ولو سألت أي طبيب متخصص في علوم الحمية والرشاقة عن أفضل عمل تعمله لتقلل من وزنك أو لتتفادى الأمراض التي تصيب القلب والشرايين لقالوا لك عليك بالمشي اليومي الذي لا يقل عن نصف ساعة على الأقل، وقال باحثون في جامعة إلينوي الأميركية إن التمارين المعتدلة البسيطة مثل المشي نصف ساعة يومياً، يساعد في تقليل ضغط الدم الشرياني إلى حدوده الطبيعية وخاصة عند الأميركيين الأفارقة. وأكد الباحثون أنه ليس بالضرورة أن تكون التمارين قاسية وعنيفة لتحقيق الفوائد الصحية.
بل يكفي ممارسة رياضة معتدلة للمحافظة على سلامة الجسم والتخلص من ارتفاع الضغط، وأشاروا إلى أن 40 مليون شخص في الولايات المتحدة يعانون من ارتفاع ضغط الدم الشرياني التي تزيد قراءاته الانقباضي والانبساطي عن 140/ 90 مليمتر زئبق،أي ما يقرب من 40% منهم من الأميركيين الأفارقة. وقام الباحثون في الدراسة التي استمرت ستة أشهر بمتابعة 40 شخصاً من الأميركيين الأفارقة المصابين بارتفاع ضغط الدم تراوحت أعمارهم بين 35 و59 عاماً، إذ أعطوهم مقياساً لمسافة السير عند مشيهم ثلاثين دقيقة أو 1.5 ميل يومياً إضافة إلى نشاطاتهم العادية، أي ما يصل إلى 10 آلاف خطوة أو ما بين 3.5 و4 أميال يومياً. وينصح الأطباء هؤلاء المرضى بالمشي والحركة في حياتهم العادية كاستخدام الدرج بدلاً من المصاعد الكهربائية، ووقف السيارات في أماكن بعيدة عن العمل والمنزل، وتقليل الملح في غذائهم، وحذروا من أن ترك هذه الحالة دون علاج قد يؤدي إلى الإصابة بمشكلات في البصر وأمراض القلب والسكتات وقصور الكلى(6).
المشي والقلب من منظور علمي:
يفيد المشي في تحسين أداء القلب والمحافظة على صحته وخفض الكولسترول وخفض ضغط الدم وتحسين التمثيل الغذائي والاستفادة من العناصر الغذائية، إذ تشير الدراسات إلى أن معدل التمثيل الغذائي يكون بطيئاً لدى الإنسان البدين الذي لا يمارس الحركة، بينما التمثيل الغذائي يكون سريعاً لدى من يمارس الحركة أو الرياضة، ويقوي العظام ويحافظ على صحة المفاصل ويقوي العضلات ويخفف من حدة التوتر النفسي، إذ أن الرياضة بشكل عام تساعد على إفراز هرمون الإندروفين الذي يمنح الإنسان الشعور بالراحة والسعادة. ورياضة المشي بذلك تخفف من حدة التوتر والشعور بالقلق والاضطرابات الناجمة عن ضغوط الحياة اليومية التي لا تنتهي(7).
وعن طريق مزاولة الأنشطة الرياضية بما في ذلك رياضة المشي، يحصل الإنسان على مفهوم الذات من الناحية الايجابية حيث يشعر بالسعادة والسرور والنظرة المتفائلة عن شخصيته وذاته، فكيف لو صاحب هذا المشي هدف سام، أو كنت تمشي إلى مكان فيه رضا خالقك وفيه الشعور بأنك ستقوم بعمل يباعدك من العذاب ويقربك من النعيم ويحط عنك الذنوب ويرفع لك الدرجات، وهو الصلاة فكيف تكون نتيجة هذا المشي؟ لا شك إن نتائج هذا المشي من الناحية الصحية والنفسية سيكون له مردود أكثر إيجابية على تلك الأعضاء وعلى النفس كذلك، والتي تتأثر تأثراً طردياً مع المسافة والهدف، أرأيت لو سيق إنسان إلى قاعة الإعدام أو القصاص لجرم اقترفه وآخر يساق مع كوكبة من المرحبين والمهنئين إلى صالة التكريم والتتويج، أيهما يكون لمشيه ميزة التفاؤل والإقدام والإسراع؟ لقد وصف الله الحالة الأولى بقوله: ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ [الأنفال: 6] ووصف الحالة الثانية بقوله: ﴿أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُون﴾ [المؤمنون: 61].
وهكذا يتفاعل الجسم مع كل مشية يمشيها، فيكون لنوع تلك المشية ومقصدها الأثر الكبير على الجسم وما يعتريه من أعراض وآلام، أو سعادة وانشراح(8).
الصلاة من منظور علمي:
جسم الإنسان يتكون من عظام ومفاصل وعضلات وشرايين وأوردة وأعصاب وتبلغ العضلات في جسم الإنسان المئات، والأعصاب كثيرة ومنتشرة متشابكة ومتشعبة وهي كالأسلاك الكهربية وكلها تحتاج إلى ما يشبه التزييت والتشحيم كل يوم بالحراك؛ لأن الراحة التامة والنوم يصيبها بالكسل والملل وعدم الكفاءة في ظروف أخرى تتطلب مجهوداً أكبر، ولعل جلطة الساقين الوريدية أو بعض آلام الظهر تأتى الأفراد الذين يؤثرون الراحة التامة، والصلاة لذلك رياضة بدنية ممتازة تتحرك فيها المفاصل والعضلات وتنشط لها الدورة الدموية فما بالك بخمسة تمرينات رياضية كل يوم وتتكرر كلما ازدادت قوة إيمان الشخص.
إن أهم ما تعنى به أساليب التربية الحديثة، وما ينصح به علم الصحة الوقائي للتمرينات الرياضية التي أصبحت تمارس وتؤدى في أوقات مخصصة شأنها شأن باقي المواد والدروس لما اتضح أن التمرينات الرياضية هي الأساس في بناء الجسم السليم الذي لابد منه لوجود العقل السليم، وأن أداء الصلاة خمس مرات كل يوم خير وسيلة لجني فوائد التمرينات الرياضية، أما حركاتها فقد عرف أن القيام في الصلاة خير وسيلة لتنشيط الدورة الدموية التي تنشط كافة الأجهزة، ولذا تعتبر الصلاة منشطة للهضم وفاتحة للشهية، ونرى أن أوقاتها تتناسب وهذه الحكمة تناسباً تاماً.
إن الصلاة كمعدن (الراديو) مصدر للإشعاع ومولد ذاتي للنشاط، يقول الدكتور ألكسيس كاريل الحاصل على جائزة نوبل في كتابه (الإنسان ذلك المجهول): "لعل الصلاة هي أعظم طاقة مولدة للنشاط عرفت إلى يومنا هذا وقد رأيت بوصفي طبيباً أن كثيراً من المرضى فشلت العقاقير في علاجهم فلما رفع الطب يديه عجزاً وتسليماً دخلت الصلاة فبرأتهم من عللهم"(9).
السجود والدورة الدموية:
قال ابن القيم: "السجود سر الصلاة وركنها الأعظم وخاتمة الركعة وما قبله من الأركان كالمقدمات له فهو شبه طواف الزيارة في الحج فإنه مقصود الحج ومحل الدخول على الله وزيارته وما قبله كالمقدمات له، ولهذا اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(10)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء»(11).
وإذا تأملنا أكثر أركان الصلاة تكراراً وجدناه السجود حتى جعله الله من صفات من شرفهم بنسبتهم إلى ذاته العلية، ولكن ما علاقة السجود بصحة الجسم؟ يجيب علماء الطب فيقولون: يؤدي السجود إلى خفض ضغط الدم، وكلما طالت فترة السجود، ازداد انخفاض ضغط الدم. وقد تكون الصلاة أهم عامل في ندرة الإصابة بضغط الدم في الركع السجود الخاشِعَيْن، كما أنها قد تكون علاجاً للمصابين به، وتعتبر كثرة السجود بمثابة التمرين اليومي المنتظم والمتكرر لمراكز التحكم ومنتجاتها الموجودة بالشريان الأورطى والشريان البابي الأيمن ونظيره الأيسر فيؤدى إلى زيادة كفاءتها في تنظيم الدورة الدموية، وبالتالي يستطيع الجسم أن يواجه أي تغيير في وضعه أو في حالة اهتزازه دون الإصابة بالدوار الناتج عن مثل تلك الأحوال(12).
ويتعرض الإنسان خلال اليوم لمزيد من الشحنات الاكتروستاتيكية "الكهربائية الساكنة" من الغلاف الجوي وهي تتركز على الجهاز العصبي المركزي، ولابد من التخلص منها حتى لا تؤدي إلى حدوث متاعب غير محتملة منها على سبيل المثال: الإحساس بالصداع وتقلصات عضلية وآلام بالرقبة، وقد وجد أن وضع السجود هو أنسب الأوضاع للتخلص من هذه الشحنات لأنه بمثابة توصيل الجسم بالأرض التي تبددها وتمتصها تماماً وبهذا ينخفض الضغط الالكتروستاتيكي على المخ، كما يزداد توارد الدم إلى المخ أثناء السجود وبالتالي يصل، ما يلزمه من مواد غذائية وأكسجين ويؤدي وظيفته على أحسن وجه، ومعروف أن المخ يمثل مركز التحكم في الجسم كله ويبدو تأثير عدم إمداد المخ بالدم الكافي واضحاً في الأشخاص الذين يقفون مدة طويلة كجنود الحراسة حيث يصابون بالإغماء المفاجئ، كما أن زيادة موارد الدم إلى منطقة الرأس يساعد على تنشيط الدورة الدموية بالوجه والرقبة ويكسبها نضارة وحيوية خاصة في الطقس البارد.
وقد عرف أصحاب رياضة (اليوجا) أهمية وضع الرأس إلى أسفل فجعلوا من بين أوضاعها وضع الوقوف على الكتفين، وهي رياضة من وضع البشر، وشعائر الله كما هي عبادات قد تحفى حكمها وأسرارها على العبد أو قد تكون غير معقولة المعنى إلا أنها تقدم للناس الخير بأفضل مما يبتكرونه لأنفسهم من الناحية الطبية.
كما يساعد وضع السجود على تخفيف الاحتقان بمنطقة الحوض وبالتالي يساعد على الوقاية من الإصابة بالبواسير، وحدوث الجلطات بالأوردة، والتي لا تخفى خطورتها، كما أنه يساعد على التخلص، من الإمساك ويعتبر من أنسب الأوضاع لعلاج سقوط الرحم الخلقي لدى الإناث، وقد اكتشفت فوائد هذا الوضع حديثاً، ولهذا ينصح به أطباء النساء والتوليد في علاج بعض الأعراض وقد أطلقوا عليه "وضع الركبتين والصدر"، وللسجود دور عميق في إزالة القلق من نفس المسلم، حيث يشعر فيه بفيض من السكينة يغمره وطوفان من نور اليقين والتوحيد. وكثير من الناس في اليابان يخرون ساجدين بمجرد شعورهم بالإرهاق أو الضيق والاكتئاب معللين ذلك بالفوائد الرياضية والصحية التي تترتب على هذا الفعل المجرد دون أن يعرفوا أن هذا الفعل ركـن من أركان صلاة المسلمين، فهو عبادة يؤجر المسلم عليها، ورياضة يلمس ثمارها في صحة بدنه، فسبحان من أحكم هذا التشريع بما يخدم بني آدم، وهو أحكم الحاكمين(13).
الصلاة والوقاية من مرض دوالي الساقين:
مرض دوالي الساقين عبارة عن خلل شائع في أوردة الساقين، يتمثل في ظهور أوردة غليظة ومتعرجة وممتلئة بالدماء المتغيرة اللون على طول الطرفين السفليين، وهو مرض يصيب نسبة ليست بضئيلة من البشر، بين عشرة إلى عشرين بالمائة من مجموع سكان العالم، وفي بحث علمي حديث تم إثبات علاقة وطيدة بين أداء الصلاة وبين الوقاية من مرض دوالي الساقين.
وبالملاحظة الدقيقة لحركات الصلاة، وجد أنها تتميز بقدر عجيب من الانسيابية والانسجام والتعاون بين قيام وركوع وسجود وجلوس بين السجدتين، وبالقياس العلمي الدقيق للضغط الواقع على جدران الوريد الصافن عند مفصل الكعب كان الانخفاض الهائل الذي يحدث لهذا الضغط أثناء الركوع يصل للنصف تقريباً.
أما حال السجود فقد وجد أن متوسط الضغط قد أصبح ضئيلاً جداً، وبالطبع فإن هذا الانخفاض ليس إلا راحة تامة للوريد الصارخ من قسوة الضغط عليه طوال فترات الوقوف، إن وضع السجود يجعل الدورة الدموية بأكملها تعمل في ذات الاتجاه الذي تعمل به الجاذبية الأرضية، فإذا بالدماء التي طالما قاست في التسلق المرير من أخمص القدمين إلى عضلة القلب نجدها قد تدفقت منسكبة في سلاسة ويسر من أعلى إلى أسفل، وهذه العملية تخفف كثيراً من الضغط الوريدي على ظاهر القدم من حوالي (100 - 120 سم/ ماء) حال الوقوف إلى (1.33 سم/ ماء) عند السجود، وبالتالي تنخفض احتمالات إصابة الإنسان بمرض الدوالي الذي يندر فعلاً أن يصيب من يلتزم بأداء فرائض الصلاة ونوافلها بشكل منتظم وصحيح ولعل هذه الحقيقة العلمية لا ينكرها من شاهد الكثير ممن حوله، وخاصة أولئك الذين يقفون لفترات طويلة على أقدامهم بسبب طبيعة أعمالهم مع عدم أدائهم للصلاة يجدهم مصابين بمرض الدوالي المزمن، مع ما يصاحبه من منظر مقزز تقشعر منه النفس(14).
وقد قرر العلماء أن أخطر سببين في تدمير الأوردة السطحية وإبراز دوالي الساقين هما:
العنصر الأول: هو تركيز أعلى للضغط على جدران الأوردة السطحية للطرفين السفليين عن طريق الوقوف ولفترات طويلة.
العنصر الثاني: أن الوريد السطحي المؤهل للإصابة بالدوالي، إنما يكون واقعاً من البداية تحت تأثير مرض عام في الأنسجة الرابطة، يؤدي إلى إضعاف جدرانه إلى مستوى أقل من نظيره الطبيعي، والآن يبدو ظاهراً إنه بتكاتف هذين العنصرين معاً في شخص ما تكون النتيجة الحتمية هي إصابته بدوالي الساقين.
وهكذا فإن الصلاة تعد عاملاً مؤثراً في الوقاية من دوالي الساقين عن طريق ثلاثة أسباب:
الأول: أوضاعها المتميزة المؤدية إلى أقل ضغط واقع على الجدران الضعيفة لأوردة الساقين السطحية.
الثاني: تنشيطها لعمل المضخة الوريدية الجانبية، ومن ثم زيادة خفض الضغط على الأوردة المذكورة.
الثالث: تقوية الجدران الضعيفة عن طريق رفع كفاءة البناء الغذائي بها، ضمن دفعها لكفاءة التمثيل الغذائي بالجسم عموماً. فالله فرض علينا الصلاة لحاجتنا إليها ولأنه هو الذي خلقنا وهو أعلم بما ينفعنا، فبادر أخي إلى أداء الصلاة بالصفة التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من خشوع وتدبر فهي لمصلحتنا ولسعادتنا والله هو المتفضل علينا بها فله الحمد والشكر، ولكن ليكن أداؤك لها ليس فقط لتكسب منها الفوائد التي تحققها وليكن قصدك الأسمى في كل ذلك هو الحصول على رضا الله عز وجل، وهو القصد الذي يجب أن يكون لدينا في جميع أمور حياتنا(استحضار نية التعبد(15).
والصلاة تساعد الإنسان على التأقلم مع الحركات الفجائية التي قد يتعرض لها كما يحدث عندما يقف فجأة بعد جلوس طويل مما يؤدي في بعض الأحيان إلى انخفاض الضغط، وأحياناً إلى الإغماء. فالمداومون على الصلاة قلما يشتكون من هذه الحالة. وكذلك قلما يشتكي المصلون من نوبات الغثيان أو الدوار.
وجه الإعجاز:
الصلاة عند المسلمين لها شروط وأركان وواجبات إذا اختل واحد منها بطلت الصلاة ووجب إعادتها، على تفاصيل وضوابط عند العلماء، وقد ذكرنا منها الوضوء، وهو الذي لا تصح الصلاة بدونه-طبعاً في غير حالة الضرورة وعدم وجود الماء- والمشي وهو الوسيلة التي يستعين بها المسلم ليكمل بها صلاته وليحصل بها على الأجر الكامل من خالقه سبحانه الذي أمره بها بذهابه إلى المسجد فيؤديها، والمسلم وهو يؤدي هذه العبادة العظيمة يمتثل لأمر مولاه طاعة له وتقرباً لمرضاته مستحضراً للإخلاص فيها وفي غيرها من العبادات، وليس همه الأول هو التداوي بها وجعلها جرعة من جرعات العلاج، وعلى هذا كان هدي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته من بعده ولم يكن يعلم صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الأمراض بل ولا كان هناك أحد يشكو منها؛ ولكن اليوم ومع تغير الأحوال والأزمان ظهرت هذه الأمراض والعلل التي لم تكن موجودة من قبل.
وقد هيأ الله سبحانه من عباده من تخصص في دراسة هذه العبادة من الناحية العملية ومقارنتها بالعلاجات الحديثة وما توصل إليه الطب النفسي وخبراء الرياضة وغيرهم، فوجدوا ما وجدوا من أعاجيب تذهل لها العقول لما تحتويه هذه العبادة من أسرار قد هيأها الخالق لعباده وضمنها إياها، وجعلها فريضة على عباده المؤمنين، وكأنه قال لنا يا عبادي أنا خلقتكم وأنا أمرتكم بعبادتي وما أمرتكم بشيء إلا وفيه سعادتكم وشفاؤكم وطهارتكم، وهذا والله ما يقر به اليوم العلم الحديث الذي يأتينا كل يوم بشاهد أن هذا الدين حق وأن ما أمرنا الله به إنما هو لمصلحتنا ونجاتنا من أمراض العصر الكثيرة والمتشعبة والخطيرة والتي أبعدها الله عنها بهذه العبادة الخالصة لوجهه الكريم، ولعل هذا من الأسباب التي ادخرها لنا الله ليزداد بها إيماننا ولنعلم أنه الحق المبين الذي لا يأتيه الباطل، ولا تعلوه الوساوس والشكوك.
وأن ما جاءنا به محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الحق من ربه وهو البرهان الساطع على نقاء هذا الدين من الأباطيل والخرافة والشعوذة، ولتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى وصدق الله القائل: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الحج: 54].