هل تجاوز رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم حدود مهمته , و بلغ رسالة الإسلام إلى جنس آخر غير الناس ؟ :
يقول الله تعالى : {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ
النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى
صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1) سورة إبراهيم.
مهمة رسول الله محمد خاتم النبيين صلى الله عليه و سلم , محددة بنص الآية الكريمة .و هي إخراج الناس من الظلمات إلى النور .
و من يتصور أن رسول الله محمدا-ص- قد قام بتبليغ الجن الأشباح برسالة
الإسلام , فهو أمام أمرين .أحدهما صحيح و الآخر باطل بطلانا مطلقا .
الأمر الباطل: أن رسول الله محمدا-ص- قد تجاوز حدود مهمته , و راح يبلغ جنسا آخر غير الناس .
الأمر الصحيح : أن كلمة الناس تشمل صنفين هما الإنس و الجن .
******
لم أكن أنوي أن أكتب مقالا عن الجن , لولا أن استفزني مقال بعنوان ( الجن العاشق) .
و رأيت أن الكلام عن عشق الجن للناس ضرب من ضروب الوهم الناتج عن سطحية
تدبر كتاب الله المجيد .البريء براءة تامة من هذه التخاريف و الأوهام .
يقول الله تعالى :{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (2) سورة يوسف.
إذن من أدوات فهم النص القرآني , اللغة العربية .و لو رجعنا إلى قواميسها
لوجدنا أن كلمة جن , جاءت من الفعل (جن) الذي يعني اختفى و استتر .
و من استعمالات هذا الوصف , أن يطلق على الماهر الحاذق , و المتمرد القوي .
فالجن , اسم وصفي .أي صفة .من الخفاء و الإستتار , و الحذاقة و البراعة و التمرد أيضا .
من المستحيل أن يحدثنا الله تعالى عن شيء ذا صلة وثيقة جدا بالإنسان , ثم
لا نجد على هذه الصلة الوطيدة دليلا من الواقع .فكل القصص التي نسمعها عن
الجن إنما هي أوهام لا دليل عليها .
و لو فرضنا أن الجن كما يعرفها الشيوخ : كائنات حية عاقلة و مكلفة .موجودة
حقا .فلماذا لا نجد دليلا حسيا يثبت وجودها ؟.لا سيما حين نستحضر الحقيقة
القرآنية و العلمية التي تؤكد أن كل كائن حي يتكون حتما من الماء
.{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ
حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (30) سورة الأنبياء.
حتى أن كبار أدعياء السحر و الرقية يقفون عاجزين عن إثبات وجود الجن كما يتصورون الجن .
تخيل عزيزي القارئ , لو أنك تعيش مع زوجتك الماكثة في البيت لوحدكما .ثم
أنك خرجت للعمل .و حين عدت إلى بيتك , فتحت زوجتك لك الباب و عند دخولك :
لمحت رجلا ينط من شباك بيتك .
بطبيعة الحال , القضية قضية خطيرة , قد تكون نتيجتها أنك ستقتل زوجتك .
لكنها تبادرك و تقول: حبيبي , هذا جني فقط تمثل بصورة رجل .
كيف سيكون موقفك ؟.
إذن لنبحث القضية في ضوء القرآن الكريم :
-هل القرآن الكريم خطاب للناس أم خطاب للناس و لجنس آخر هم الجن؟:
حين تقرأ كتاب الله المجيد تقف على حقيقة واضحة , و هي أن الخطاب القرآني موجه للناس و للإنسان فقط .
يا أيها الإنسان ...وردت هذه الصيغة مرتين في كتاب الله .و لم ترد صيغة مماثلة -يا أيها الجان- و لا مرة .
يا بني آدم ..وردت خمس مرات .و لم ترد صيغة ( يا بني جن ) و لا مرة .
يا أيها الناس , وردت 20 مرة , و لم ترد صيغة ( يا أيها الجن) و لا مرة .
إذن القضية مقصودة .و لا يمكن أن يقصي الله تعالى نصف المكلفين -الجن- حين يخاطبهم .
- الأمر بعبادة الله في القرآن موجه للناس فقط :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (21) سورة البقرة.
و لا توجد آية مماثلة تتوجه إلى الجن لتأمرهم بعبادة الله .
-الأمثال يضربها الله للناس . آيات قرآنية كثيرة تقول ( و يضرب الله
الأمثال للناس ) لكن لا توجد آية واحدة تقول ( و يضرب الله الأمثال للجن .
-أول بيت وضع للناس :{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي
بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (96) سورة آل عمران.
-الحج للناس :{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا
وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (27) سورة
الحـج.
-الصوم للناس :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى
لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ
مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ
يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ
اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (185) سورة البقرة.
هدى للناس .
-وقود النا رهم الحجارة و الناس :{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن
تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (24) سورة البقرة.
-يوم القيامة يوم مجموع له الناس :{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ
عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ
يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} (103) سورة هود.
-جن سليمان , كانوا بشرا , عمالا حرفيين حاذقين بارعين .بدليل أنهم كانوا
يقرنون في الأصفاد .و لا يعقل أن يوضع كائن من الغيب في الأصفاد .
لن أطيل عليك أيها القارئ الكريم , و لن أطرح بين يديك كل الآيات القرآنية
الكريمة التي تتعلق بحقيقة الجن .إذ يكفي تدبر ما سبق منها للوقوف على
حقيقة دلالات هذه الكلمة .
و لنعد إلى الواقع , لنسأل :
هل كان للجن المسلمين دور في الدعوة إلى الله مع رسول الله محمد-ص-؟.
هل تعرف اسم شهيد في سبيل الله من شهداء الجن ؟.
هل سمعت عن مجاهد في سبيل الله من الجن؟.
هل سمعت عن مفكر إسلامي من الجن تناول كتاب الله بالتدبر و التفسير؟.
هل سمعت عن مشاركة الجن في توسيع الحرمين الشريفين ؟.
أسئلة كثيرة أجوبتها كلها بالنفي .
إذن نخلص إلى الفهم الصحيح الذي يحل اللغز و إلى الأبد :
الجن اسم وصفي .اي صفة فقط .
و كلمة الناس تشمل صنفين هما عامة الناس أي الإنس .
و خاصتهم الجن .
بعبارة أخرى , الإنس هم من تراهم و تحتك بهم و تعرفهم و تأنسهم عينك .
و الجن هم الكبراء و السادة , الذين يعيشون عادة في خفاء عن أعين العامة .فهم جن .
و بما أننا رأينا أن يوم القيامة مجموع له الناس فقط .و أن وقود النار هم
الناس و الحجارة , فلا مجال لإضافة الأشباح إلى الآيات القرآنية .
بينما نجد آيات أخرى تؤكد أن الله ذرأ إلى جهنم كثيرا من الجن و الإنس .
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ
لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ
بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (179) سورة الأعراف.
و بما أن القرآن لا يحتوي قط على تناقض , و وقدو جهنم هم الناس و الحجارة .فقد ثبت أن الناس تشمل الإنس و الجن .
و مما يزيد الأمر وضوحا , أن الآية تقول أن كلا الصنفين -جن و إنس- لهم
نفس الأعضاء البدنية .أعين , آذان و قلوب .لكن لماذا لا نملك دليلا على
وجود الجن الشبحي صاحب الأعين و الآذان و القلوب ؟.
و لو تابعنا تدبر كتاب الله لرأينا المزيد من التوضيع .فانظر كيف يصور
القرآن الكريم , تخاصم أهل الناس .و قد رأينا أن وقود النار هم الناس و
الحجارة .
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} (67) سورة الأحزاب.
في الآية ترى أن المستضعفين من الناس - الإنس- يبررون خطأهم , بقولهم أنهم كانوا تابعين و ظائعين لكبرائهم و ساداتهم -الجن-.
سورة الجن:
كثيرا ما يقدم المعتقدون بوجود الأشباح كدليل على وجودها , سورة الجن .
فكأن وجود سورة باسم الجن تعني بالضرورة وجود جنس آخر مع الناس .
فها هي سورة النساء .و لا توجد سورة الرجال .
و سورة الإنسان .و لا توجد سورة الجان .
جاء في سورة الجن :{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ
بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (6) سورة الجن.
الىية تثبت أن في الإنس رجال .و في الجن رجال .
و الرجال جمع كلمة رجل و هو الذكر البالغ من البشر .
لنعود من جديد إلى وحدة النوع .فكل المكلفين من الناس .و الأمانة حملها الإنسان فقط .
و حين ندرك هذا الحقيقة يتبين لنا أن النفر في سورة الجن هم نفر من الناس
سمعوا القرآن من غير أن يراهم رسول الله محمد-ص- فكانوا في خفاء عنه فكانوا
جنا بالنسبة له .
فما يكون له أن يتجازو حدود مهمته ليبلغ جنسا آخر غير ما حدده له ربه ( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور).
سورة الأحقاف :{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ
يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا
قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } (29) سورة الأحقاف.
هؤلاء النفر جاءوا إلى رسول الله محمد-ص- خفية عن أعين قومهم و عن أعين
قريش .و التقوا برسول الله في الصحراء و في الليل .ليعلمهم دينهم .
و حفاظا على سلامتهم و كتمان سرهم , أعلن رسول الله -ص- حين رجع للصحابة و
قد افتقدوه , أن داعي الجن أتاه .فذهب معه ليعلمهم أمور دينهم .
و أراهم آثار نيرانهم و مبارك جمالهم .فهم بشر .
عزيزي القارئ , أنصحك بقراءة كتاب رائع يبين حقيقة الجن في القرآن و السنة .بعنوان ( أبناء آدم من الجن و الشياطين) .
و حين تلم بالموضوع , ستتخلص من كل تخاريف الفكر السطحي الذي ما يراعي قدر
كتاب الله المجيد .و بدلا من نشر التوحيد توحيد الله , هذا الفكر السطحي
ينشر الشرك .فأنت حين تكون مشبعا بقصص الجن, حين تقصد بيتك ليلا , لن تفكر
في الله تعالى .بل يشغلك الخوف من الجن , حتى تدخل بيتك و تشعل الضوء.
فهل الجن الذي لا تراه يحرجه الضوء لو أراد أن يفتك بك ؟.
و ستتخلص من ابتزاز المشعوذين و الرقاة .فلا جن شبحي و لا عشق جن و لا استمتاع جن .
في الأخير لكل من يدعي رؤية الجن , إعلم أنك تكذب الله تعالى .لأن الله
تعالى يقول :{..... إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ
تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ
يُؤْمِنُونَ} (27) سورة الأعراف.
هذا الإستدلال الأخير هو من باب إلزام القائلين بوجود الجن الشبحي فقط.
أما الحقيقة فإن للآية مدولالات عظيمة و أعمق مما فهمه القائلون بوجود الجن
.
و شكرا و معذرة عن الإطالة