زائر زائر
| موضوع: ضوابط الشروط المقترنة بالعقد 31/1/2013, 22:17 | |
|
ضوابط الشروط المقترنة بالعقد
الباحث: د. محمد علي عبد الله قاضي الدرجة الأولى مدير المكتب التنفيذي لرئيس القضاء العدد: 2008 نص البحث:
مقدمـة: لعل موضوع هذا البحث (ضوابط الشروط المقترنة بالعقد) يجد اهتماماً متزايداً وواضحاً هذه الأيام مع تطور التجارة داخليا ودوليا ، وازدياد الحياة الاجتماعية تعقيداً ، لذا عقدت العزم على جمع شتات هذا الموضوع من أمهات كتب أصول الفقه وفروعه ، وتأتي أهمية الشرط من أن العقد يصح أو يفسد ويبطل به على ما سيبين لاحقاً ، ومما يرتبط بهذا الموضوع ولا ينفك عنه الحديث عن سلطان الإرادة لأن الإرادة هي منبع الشروط لذا لزم الحديث عنه أولاً ، وحتى أوفي البحث حقه اتبعت الخطة التالية:
المبحث الأول: تعريف الشرط وسلطان الإرادة في الشريعة الإسلامية والقانون المبحث الثاني: ضوابط الشروط المقترنة بالعقد في الشريعة الإسلامية المبحث الثالث: ضوابط الشروط في القانون.
المبحث الأول تعريف الشرط وسلطان الإرادة في الشريعة الإسلامية والقانون
المطلب الأول تعريف الشرط
الشرط لغة: إلزام الشئ والتزامه في البيع ونحوه. والجمع شروط وشرائط([1]). تعريف الشرط عند فقهاء الإسلام: يتفق علماء أصول الفقه وفروعه في تعريف الشرط بأنه " ما لا يوجد المشروط دونه ولا يلزم أن يوجد عند وجوده "([2]) أو " ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته "([3]). ويعني هذا التعريف أن المشروط لا يمكن أن يوجد دون الشرط ، ولكن وجود الشرط لا يعني وجود المشروط فقد يشترط الطرفان في العقد شرطاً ولا يجد هذا طريقه للتنفيذ لتنازل المشروط له ، أو لعدم استيفائه موجبات الشرط ، أي أن الوجود هنا بمعني النفاذ. إذا اصطلحنا على أن التعريف السابق هو التعريف العام فقد عرفه بعض الفقهاء تعريفاً خاصاً بأنه " إلزام أحد المتعاقدين ، المتعاقد الآخر بسبب العقد بما له فيه منفعة "([4]). وهذا التعريف يحدد المراد من الشرط في هذا البحث بصورة واضحة. ويقسم الفقهاء الشرط من حيث مصدره إلى شروط شرعية ، وشروط جعلية ، فالشروط الشرعية على ضربين: ما كان راجعاً إلى خطاب التكليف - إما مأموراً بتحصيلها كالطهارة مع الصلاة ، وإما منهياً عن تحصيلها - كنكاح المحلل . وما يرجع إلى خطاب الوضع كالحول في الزكاة والإحصان في الزنا([5]). والشرط الجعلي: " هو الذي يكون اشتراطه بتصرف المكلف وإرادته ، كشروط المتعاقد في العقد ، وشروط الواقف وشروط الموصي. وكاشتراط الكفيل لضمان الثمن([6]). تعريف الشرط في القانون: فقهاء القانون يطلقون كلمة " شرط " على الأمر الخارجي الذي تضيفه الإرادة إلى الالتزام الذي استكمل عناصر تكوينه ، ويعرفونه " بأنه أمر مستقبل غير محقق الوقوع يترتب عليه وجود الالتزام ، أو زواله " الأول مثل الشرط الواقف ، والثاني مثل الشرط الفاسخ([7]). وبالتالي فهم لا يعتبرون من قبيل الشرط كوصف إرادي للالتزام الشروط القانونية التي يتطلبها المشرع لترتيب أثر معين كشرط الرسمية في العقود الشكلية ، وكذلك لا يعتبر شرطاً بالمعني الدقيق ما قد يتضمنه العقد من أحكام منظمة للعلاقات التعاقدية بين الطرفين ، كالشرط الجزائي وشرط المنع من التصرف([8]). وهذا النظر للشرط لم يكن قاصراً على قوانين الدول العربية ، بل تعدي إلى القانون الروماني والقوانين ذوات النزعة الفردية ، حيث كانوا يفرقون بين الشرط والتعبيرات الفعلية التي يتضمنها العقد ، فالشرط في نظرهم لا يعني جزءً من الالتزام نفسه بل أمراً خارجيا مستقلا- (External Fact) – يعتمد عليه وجود الالتزام([9]). ورغم أن فقهاء القانون الإنجليزي شايعوا هذا النظر إلا أنهم توسعوا في استعمال كلمة شرط لا على أمر خارجي يعلق عليه الالتزام أو يزول ولكن باعتباره تعبيراً في العقد يجوز تنفيذه ضد أحد الطرفين أو الآخر([10]). وقد كان سائداً خلال القرن التاسع عشر التفريق بين المعاني المختلفة لكلمة شرط (condition): فالشرط أما أن يكون شرطاً واقفاً (Precedent) أو فاسخاً (Subsequent)، أو طبيعياً (Inherent) ويكون الشرط كذلك في الحالة التي يوصف أو يقيد أو تخضع الملكية فيها لوصف أو قيد أو تكليف([11]). ولقد فرق قانون بيع البضائع الإنجليزي لسنة 1893م بين الشرط الجوهري ((condition): Stipulation in contract of sale the breach of which may give rise to aright to treat the contract as repudiated))([12]) أي: (بأنه الاشتراط في عقد البيع الإخلال به يجوز أن يعطي الحق في اعتبار العقد مفسـوخاً)([13]). وبين الشــرط غير الجوهري warranty”" (Stipulation the breach of which may give arise to claim for damages but not to right reject goods and treat the contract as repudiated)([14]).أي أنه اشتراط الإخلال به يجوز أن يعطى الحق في التعويض وليس الحق في رفض البضاعة واعتبار العقد مفسوخاً)([15]). وظل هذا الوضع سائداً لأكثر من ثمانين عاماً ً، إلى أن تم إدخال تعديلات طفيفة على هذا المفهوم بحيث ترك الأمر للمحكمة بتحديد مـا إذا كان الشرط جوهرياً أم لا ، وذلك بالنظـر إلى آثار الإخلال على الطرف المضرور ،(The courts look at the effects of the breach on the injured party )([16]). ...... وقد أفرز التطور عن ظهور شرط يعرف بالشرط غير الموصوف أو غير المسمي “innominate terms”) " are those intermediate terms that can neither be classified as "conditions" nor as "warranties". Where there has been a breach of innominate terms the innocent party is entitled to compensation but may or may not be entitled to set aside the contract, depending on the gravity of the breach. أي الشرط الذي لم يصنف بكونه جوهرياً أو غير جوهري ، ويتوقف تصنيفه على المحكمة بالنظر إلى درجة الإخلال وخطورته. أياً كان مسمى الشرط فهذه الدارسة تعني بضوابطه ، متى يكون صحيحاً ومتى يكون غير ذلك ، لذا فإن الخلاف في تسميته لا يؤثر في وضع الضوابط له. وبالتالي نخلص إلى أن علماء الشريعة الإسلامية قد عرفوا الشرط تعريفاً واضحاً ومباشراً ، في حين تنكبت القوانين طريق المباشرة والوضوح.
المطلب الثاني سلطان الإرادة في الشريعة الإسلامية والقانون
سلطان الإرادة في الشريعة الإسلامية: موضوع سلطان الإرادة العقدية ، هو حرية إرادة الأطراف في أصل العقد ونتائجه وحدود تلك الحرية ، أي مدى اعتبارها في نظر الشرع . وهذا المبدأ يتعلق بأربع حريات في النواحي الأربع التالية([17]): 1- حرية العاقد في أصل التعاقد مع غيره . فقد جاء التشريع الإسلامي بالقضاء على جميع عناصر الإكراه العقدي وأطلق حرية الإرادة في تكوين العقد ، وقد جعل القرآن والسنة رضاء الإنسان أساساً دستورياً في كل عقد سيلزمه ، ولم يقر الشرع الإسلامي عقداً يلزم شخصاً لم يرض به رضاءً بيناً ، إلا فيما توجبه قواعد العدالة ومصلحة الجماعة مما تمارسه السلطة الحاكمة باسم العدالة لإحقاق الحق ، كبيع أموال المدين المماطل في وفاء الدين .. الخ ، فمثل هذا العقد الجبري هو من المؤيدات الضرورية للتشريع العادل ، والغاية من قيام حكومة في دولة ؛ وقد أقرتها الشرائع الوضعية الحديثة التي أخذت بمبدأ الإرادة العقدية المطلق. وحريته في إنشاء العقود والالتزامات بمجرد التراضي ، - لقول الله تعالي في محكم تنزيله: (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) الآية (29) من سورة النساء. وقوله تعالي (فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً).الآية (4) من سورة النساء - دون تقييد بقيود شكلية ومراسم مخصوصة بحيث لا يعتبر تعاقده إذا لم تتحقق صورها . وهي المراسم الشكلية فلم تكن قبل الإسلام أمة ذات تاريخ تشريعي ثابت تعرف أن مجرد التراضي يولد عقداً ملزماً والتزامات دون أن تمر بصور وأنواع مختلفة من المراسيم الشكلية ، سواء في ذلك التشريع الروماني وغيره ، حتى جاء الإسلام فألغى جميع تلك الأغلال والقيود باعتاق العقود ، ويجعل مجرد التراضي مولداً للعقد بأي طريق كان ظهوره بين العاقدين ، ولم يستثن إلا عقداً واحداً أخضعه لشكلية الإعلان بالإشهاد عليه وهو عقد النكاح. وجميع الشرائع الوضعية الحديثة التي أقرت أخيراً مبدأ سلطان الإرادة العقدية في الشرق والغرب قد مرت أصولها بمراحل طويلة من القيود الشكلية المختلفة في إنشاء العقود ، إلا أن الشريعة الإسلامية قد أنشأت قواعد العقد إنشاءً جديداُ محرراً من جميع العقود الشكلية التي كانت تفرضها الأعراف والعادات في جاهلية العرب ، وشرائع الأمم المحيطة بها ؛ وقد كان هذا من الظواهر الغريبة غير المعهودة في تاريخ التشريع. 2- حريته في إنشاء ما يشاء من أنواع البيوع في حدود حقوقه الشخصية مهما يكن موضوعها دون تقييد بأنواع العقود المسماة التي أقرها التشريع تخرج عن نطاق العقود المسماة التي قررها التشريع ، في موضوعها والتزاماتها ، حيث أقر الفقه الإسلامي نشوء عقود جديدة ، ثم ما لبث الفقهاء أن أسموها فانتظمت في سلك العقود المسماة وقررت أحكاماً خاصة. 3- حريته في تحديد آثار العقد المسمى ، وتعديل نتائجه الأصلية بين الطرفين المتعاقدين باشتراط ما يشاء من شروط بحسب إرادتهما . أي إنشاء ما يشاءان من التزامات وقيود في العقد بإرادتهما- . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ.....) –سورة المائدة من الآية1-، فهي أهم نواحي سلطان الإرادة في نظر الحقوق الحديثة. أما الأحاديث النبوية التي جاءت عن سلطان الإرادة وهي نفس الأحاديث التي تناولت ضوابط الشروط المقترنة بالعقد ، وكما أشرت في المقدمة فإن الحديث عن سلطان الإرادة لا ينفك عن موضوع الشروط لذا سيأتي بيانها عند الحديث عن ضوابط الشروط في السنة النبوية في المبحث التالي. سلطان الإرادة في القانون: يحكم المجتمعات التي تأخذ بالنزعة الفردية وبحرية العمل ، مبدأ مفاده أن الإرادة هي التي تنشئ التصرف القانوني ، وهي التي تقوم بتحديد شروطه وآثاره ، ومن ثم بناءً على هذا المبدأ ، فإن العقد لا يستمد قوته من القانون وإنما من إرادة أطرافه . ولا يتعدى دور القانون غير ضمانة تنفيذ الالتزام عن طريق فرض الجزاء على الإخلال به([18]). ويتفرع عن هذه النظرية أنه: في المقام الأول ، يتعين احترام حرية التعاقد سواء عند إبرام العقد أو من حيث تحديد مضمونه كما يتعين وجوب احترام مشيئة العاقدين بحيث لا يجوز نقض العقد أو تعديله إلاَّ باتفاقهما وهـو ما يعبر عنه بمبدأ " العقد شريعة المتعاقدين " ([19]). وكان لهذا المبدأ أثره البالغ على القانون الحديث بعد إنشاء المذهب الفردي على أثر تطور النظم الاقتصادية، ولكن استمرار هذه النظم في التطور، وظهور الصناعات الكبيرة ، واختلال التوازن بين القوى الاقتصادية ، مهد للمذاهب الاشتراكية سبيل الإنشاء ، فقامت هذه المذاهب معارضة للمذاهب الفردية ، مما أدى إلى نكوص هذا المبدأ ([20]). ومن حيث النشأة لم يعترف القانون الروماني في أي عصر من عصوره بمذهب سلطان الإرادة كاملا ، إذ بدأت العقود تكون فيها شكلية تحوطها أوضاع معينة من حركات وإشارات وألفاظ وكتابة . وقد ظلت الشكلية مستمرة حتى نهاية القرن الثاني عشر ، ثم أخذت تتحور ، وكانت متجهة إلى التناقض ، وأخذ أثر الإرادة يقوى في تكوين العقد شيئاً فشيئاً ؛ وساعد على هذا التطور عوامل عدة: (أ ) تأثير المبادئ الدينية وقانون الكنيسة فكان المتعاقد إذا اقسم على احترام عقده ولو لم يفرغه في شكل مخصوص ، عد الحنث باليمين خطيئة يعاقب عليها. (ب) إحياء القانون الروماني والتأثر به ، حيث وصل القانون الروماني حداً كبيراُ من حيث استقلال الإرادة. (ج) العوامل الاقتصادية: حيث أدى التطـور التجاري ، إلى لجوء المحاكم التجارية فـي إيطاليا في القرن الرابع عشر إلى القضاء طبقاً لقواعد العدالة. (د ) العوامل السياسية: وذلك من خلال بسط الدولة نفوذها وتدخلها شيئاً فشيئاُ في الروابط القانونية بين الأفراد والأخذ في حماية العقود التي تتم بمجرد الاتفاق ([21]).
ولما جاء القرن السابع عشر أصبح مبدأ سلطان الإرادة ثابتاً مقرراً ، وصار دعامة تبنى عليها النظريات القانونية ، وأصبح يشتمل على أصلين ، أولاً : كل الالتزامات ، بل كل النظم القانونية ، ترجع في مصدرها إلى الإرادة الحرة ، ثانياً : لا تقتصر الإرادة على أن تكون مصدر الالتزامات ، بل هي أيضاً المرجع الأعلى فيما يترتب على هذه الالتزامات من آثار ، فأصبحت الإرادة الحرة تهيمن على جميع مصادر الالتزام ([22]) , بحيث أصبح كل ما ارتضاه الملتزم ديناً في ذمته يكون صحيحاً ، وأن العقد ، الذي يتم بتوافق إِرادتين مستقلتين ، لا يجوز تعديله إلا بتوافق هاتين الإرادتين ([23]).
ومثلما كان الاقتصاد سبباً في تطور مبدأ سلطان الإرادة أصبح سبباً في نكوص المبدأ ، حيث ظهر المذهب الاشتراكي ووجه انتقادات قوية لمبدأ سلطان الإرادة ، فأصبحت الإرادة لا سلطان لها في دائرة القانون العام . وفي دائرة القانون الخاص ..وفي مجال الالتزامات قيدت الإرادة بقيود النظام العام والآداب ، بل إن إرادة الفرد – حتى داخل هذه القيود– يضعف أثرها في بعض العقود التي تضع نظماً ثابتةً للطوائف والجماعات ، كما في الجمعيات والشركات وغيرها، ثم إن الإرادة وهي في دائرة كل هذه القيود لا تزال خاضعة أيضاً لشكلية تنظمها بعض القيود حماية للمتعاقد الذي يقدم على أمر خطير كما في الهبة والرهن الرسمي ، فأصبح القانون يعترف بسلطان الإرادة ولكن يحصره في دائرة معقولة، تتوازن فيها الإرادة مع العدالة والصالح العام ([24]).
إذن أصبحت هناك قيود على سلطان الإرادة ، تختلف باختلاف أنواع الحقوق والعقود ، وموضوعاتها: (أ ) ففي الحقوق العامة والالتزامات الناشئة عنها لا سلطان لإرادة الملتزم أصلاً ، بل للقانون وحده. (ب) وفي عقد الزواج ونتائجه ينحصر سلطان إرادة العاقدين في أصل العقد ، أي في قبول التعاقد أو رفضه بمحض حريتهما، أما القيود الشكلية في عقد الزواج ، وكذا آثاره والتزاماته بين الزوجين ، فيرتبها القانون على وفق ما يقتضيه تنظيم شئون الأسرة والمصالح الاجتماعية التي مرجع تقديرها إلي الشارع. (ج) وفي الحقوق العينية يتسع مجال سلطان إرادة العاقدين في آثار العقد ، أما تكوينه فيخضع لمراسم شكلية في التسجيل يفرضها القانون ، لارتباطها بسياسة التشريع في تنظيم الملكية العقارية. (د ) أما الحقوق الشخصية والالتزامات فهي الميدان الأوسع لمبدأ سلطان الإرادة العقدية ضمن حدود الآداب العامة ، والنظام العام ، والنصوص القانونية الخاصة ، فلا يصح مثلاً عقد الاستئجار على ارتكاب جريمة أو على فعل ما يناقض الآداب الاجتماعية:
ففي هذا الميدان وهذه الحدود يعقد الإنسان ما يشاء من العقود ، ويحدد آثار عقده بإرادته المحضة . وللعاقدين أن يخالفا باتفاقهما ما رتبه القانون من أحكام العقود المسماة ، لأن الأصل فيها أنها غير إلزامية ، وإنما يفرضها القانون عند عدم الاتفاق على خلافها إلا ما كان من النصوص الآمرة التي ينص عليها القانون . وفي نطاق هذه المجموعة من القيود والحدود التشريعية يطبق المبدأ القانوني العام القائل إن العقد قانون المتعاقدين ، أي أن العقد يلزم عاقديه في كل ما اتفقا عليه ، كما يلزم القانون ، سائر الناس ([25]).
وكما سبق أن نوهت فإن موضوع سلطان الإرادة موضوع لا ينفك عن موضوع وضع الشروط في العقد ، حيث إن العلاقة بينهما تبادلية، فوضع الشروط يعني قيد الإرادة ، ولكن الإرادة هي التي تحدد هذه الشروط فهي التي تقبل أو ترفض لذا فالحديث عن ضوابط الشروط جزء مكمل للحديث عن سلطان الإرادة.
.../...
Adminالمدير رد: ضوابط الشروط المقترنة بالعقد من طرف Admin في الأحد 17 يناير 2010, 2:40 pm
المبحث الثاني ضوابط الشروط في الشريعة الإسلامية
المطلب الأول ضوابط الشروط في السنة النبوية:
وضع رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كنهجه في تبليغ الرسالة ضوابط للشروط المقترنة بالعقد ، وكنهجه أيضاً في المبادرة بالأفعال والأقوال حتى يقتدي به فقد شرط في عقد بينه عليه السلام وبين آخر حيث (إنه باع من النبي صلى الله عليه وسلم بعيراً واشترط عليه ظهره إلى أهله)([26]). والنبي صلى الله عليه وسلم وكنهجه أيضاً في تبليغ الرسالة وضع ضوابط واضحة للشروط المقترنة بالعقد ، فعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم (أنها قالت: جاءت بريرة إلى فقالت: يا عائشة إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقيه ، فأعينيني ، ولم تكن قضت من كتابها شيئاً ، فقالت لها عائشة: ونَفِسَتْ فيها: ارجعي إلى أهلك ، فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعاً ويكون ولاؤك لي فعلت ، فذهبت بريرة إلى أهلها ، فعرضت ذلك عليهم ، فأبوا وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ، ويكون ولاؤك لنا ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((لا يمنعك ذلك فيها ، ابتاعي واعتقي ، فإنما الولاء لمن أعتق )) ففعلت ، فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((ما بال الناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق..))([27]).
إذن فالشروط مقيـدة بأن تكون موافقة لكتاب الله ، جاء في كتاب إرشاد الساري ، في معرض تفسيره لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون عند شروطهم)([28])، ((( المسلمون عند شروطهم))، أي الجائزة شرعاً....) وجاء فيه ((من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله)).. أي ليس في حكم الله جوازها أو وجوبها لأن كل من شرط شرطاً لم ينطق به الكتاب باطل لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ، ويشترط في الثمن شروطاً من أوصافه نحو ذلك فلا يبطل فالشروط المشروعة صحيحة وغيرها باطلة. ((ومائة شرط)) توكيد لأن العموم في قوله من " اشترط " دال على بطلان جميع الشروط المذكورة فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فلو زادت عليها كان الحكم كذلك لما دلت عليه الصيغة . ((شرط الله أحق وأوثق)) المراد بشرط الله هو الحق والقوي )([29]). وجاء في جمهرة القواعد الفقهية ، أن هذا الحديث ((المسلمون عند شروطهم)) أحد الأصول في باب المعاملات . يحتوي في طياته على موضوع الشروط ، الذي يحمل أهمية بالغة في إطار العقود المالية الشرعية . وهذه القاعدة الحديثة العظيمة يعضدها حديث مشهور آخر وهو قوله صلي الله عليه وسلم((من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له شرط وإن شرط مائة شرط)) وهذا صريح في إبطال كل شرط لا سند له ولا أصل له من شرع الله تعالي . ومقتضى هذا الحديث أنه يجب الالتزام والوفاء بجميع الشروط والعهود ما لم يكن فيها ما يعارض النص الصريح . وتنبع أهمية هذا الأصل من حيث إن تحقق الشرط المتفق عليه بين العاقدين هو الذي يستجيب لحاجتهما وينسجم مع مصلحة العقـد . وهـذا يتفق مـع مبدأ العـدل الذي يعتبر من ركائز الشرع ....)([30]). وحديث عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً)([31]).
وهذا الحديث يؤكد ما جاء في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها. وإذا صح الشرط فإن الالتزام به وتنفيذ مقتضياته ، واجب والإخلال به غير صحيح. وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال رجل لكريّه: ادخل ركابك ، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مئة درهم فلم يخرج فقال شريح: ((من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه)) ([32]). وقال سيدنا عمر: (مقاطع الحقوق عند الشروط)([33]). إذن فالأصل أن الاشتراط في العقد مباح ، بشرط ألا يخالف الشرط نصاً صريحاً . أو يحل حراماً ، أو يحرم حلالاً فكذا فإن الضوابط واضحة لا لبس فيها ولا غموض.
المطلب الثاني الشروط عند الأحناف
فقهاء الأحناف ، يقسمون الشرط إلى شرط صحيح ويكون ذلك في ثلاث حالات ، وشرط غير صحيح وذلك على النحو التالي: قال الميرغناني([34]): (.... ثم جملة المذهب فيه أن يقال كل شرط يقتضيه العقد كشرط الملك للمشتري لا يفسد العقد لثبوته بدون الشرط ، وكل شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد العاقدين أو المعقود عليه وهو من أهل الاستحقاق يفسده ، كشرط أن لا يبيع المشتري الشئ المبيع ، لأن فيه زيادة عارية عن العوض فيؤدي إلى الربا ، أو لأنه يقع بسببه المنازعة فيعري العقد عن مقصوده إلا أن يكون متعارفاً لأن العرف قاض على القياس ، ولو كان لا يقتضيه العقد ولا منفعة فيه لأحد لا يفسده ، وهو الظاهر في المذهب ، كشرط أن لا يبيع المشتري الدابة المبيعة ؛ لأنها انعدمت المطالبة فلا يؤدي إلى الربا ولا إلى المنازعة ، إذا ثبت هذا فنقول: أن هذه الشروط لا يقتضيها العقد لأن قضيته الإطلاق في التصرف والتخيير لا إلزام حتما، والشرط يقتضي ذلك ، وفيه منفعة للمعقود عليه . وضرب ، مثالاً لما سبق من باع عبداً على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه أو أمة على أن يستولدها فالبيع فاسد لأن هذا بيع وشرط ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم (عن بيع وشرط )([35]). وقال: وكذلك لو باع داراً على أن يسكنها ، أو أن يقرضه المشتري درهماً ، أو على أن يهدي له هدية ، لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين ، ولأنه عليه السلام نهى عن سلفٍ وبيع ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (نهى عن سلف وبيع ، وشرطين في بيع وربح ما لم يضمن) وفي رواية أخرى (لا يحل سلف وبيع)([36])، ولأنه لو كانت الخدمة والسكنى يقابلهما شئ من الثمن يكون إجارة في بيع ، ولو لم يكن يقابله يكون إعارة في بيع ، وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى (عن بيعتان في بيعة) ([37]). وجاء في بدائع الصنائع([38]): (... ومنها شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للبائع أو للمشتري أو المبيع .....، وليس بملائم للعقد ، ولا مما جرى به التعامل بين الناس ، نحو ما إذا باع داراً على أن يسكنها شهراً ثم يسلمها إليه ، أو أرضاً على أن يزرعها سنة ، أو دابةً على أن يركبها شهراً،....ونحو ذلك فالبيع في هذا كله فاسد ، لأن زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون ربا لأنها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع وهو تفسير الربا، والبيع الذي فيه الربا فاسد ، أو فيه شبهة الربا وأنها مفسدة للبيع كحقيقة الربا..... وأما الشرط الذي يقتضيه العقد فلا يوجب فساده، كما إذا اشترى بشرط أن يمتلك المبيع أو باع بشرط أن يمتلك الثمن ونحو ذلك فالبيع جائز لأن البيع يقتضي هذه المذكورات من غير شرط فكان ذكرها في معرض الشرط تقريراً لمقتضى العقد فلا توجب فساد العقد وكذلك الشرط الذي لا يقتضيه العقد ، ولكنه ملائم للعقد ، لا يوجب فساد العقد أيضاً ، لأنه مقرر لحكم العقد من حيث المعنى مؤكد إياه ، فيلحق بالشرط الذي هو من مقتضيات العقد ، مثل ما إذا باع على أن يعطيه المشتري بالثمن رهناً و كفيلاً والرهن معلوم والكفيل حاضر فقبل ، وجملة الكلام في البيع بشرط إعطاء الرهن أن الرهن لا يخلو إما أن يكون معلوماً أو مجهولاً ، فإن كان معلوماً فالبيع جائز استحساناً والقياس أنه لا يجوز ، لأن الشرط الذي يخالف مقتضى العقد مفسد في الأصل ، وشرط الرهن والكفالة مما يخالف مقتضى العقـد فكان مفسـداً ، إلا أنا استحسنا الجواز لأن هـذا الشرط لو كان مخالفاً مقتضى العقد صورة فهو موافق له معنى ، لأن الرهن بالثمن شرع توثيقاً للثمن ، وكـذا الكفالة ،..... وكذلك إن كان مما لا يقتضيه العقد ولا يلائم العقـد أيضاً لكـن للناس فيه تعامل فالبيع جائز ، كما إذا اشترى نعلاً علـى أن يحـدوه البائع ).
المطلب الثالث ضوابط الشروط عند المالكية:
قال الصاوي([39]): (... أعلم أن الشرط الذي يحصل عند البيع إما أن ينافي المقصود أو يخل بالثمن أو يقتضيه العقد أولا يقتضيه ولا ينافيه ، فالمضر الأولان دون الأخيرين ، فالذي يناقض المقصود مثل من باع دابةً وشرط ألا يركبها أو لا يبيعها... والذي يخل بالثمن بقوله: كبيع شرط وسلف ، والذي لا يقتضيه ولا ينافيه أفاده بقوله: كشرط رهن وحميل ، فهذا الأخير إن اشترط عمل به و إلا فلا،...)([40]). وقال الخرشي([41])... شرط يقتضيه العقد ، وهو واضح الصحة كشرط تسليم المبيع ، وهو لازم دون شرط ، فشرطه تأكيد ، وشرط لا يقتضيه العقد ولا ينافيه ، وهو من مصلحته ، جائز لازم بالشرط ساقط بدونه كالأجل والخيار والرهن)([42]). وقال ابن رشد الحفيد([43]): ( الشروط المشترطة في البيوع على مذهب مالك رحمه الله تنقسم إلى أربعة أقسام:أحدها: يفسخ به العقد على كل حال ، ولا خيار ، في الربا والغرر في الثمن أو المثمن وما أشبه ذلك. والثاني: يفسخ به البيع مادام مشترط الشرط متمسكا بشرطه، فإن رضي بترك الشرط صح البيع. والثالث: يجوز في البيع والشرط وذلك إذا كان الشرط صحيحاً ولم يؤل البيع به إلى غرر ، ولا فساد في ثمن ولا مثمن ، ولا إلى شبهة ذلك من الإخلال بشرط من الشرائط المشترطة في صحة البيع ، وذلك مثل أن يبيع الرجل الدار ويشرط سكناها أشهراً معلومة ، والرابع: يجوز فيه البيع ويفسخ الشرط ، وذلك ما إذا كان الشرط فيه غير صحيح إلا أنه خفيف فلم يقع عليه حصة من الثمن ، وذلك مثل أن يبيع السلعة ويشترط أن لم يأت بالثمن ثلاثة أيام أو نحوها فلا بيع بينهما مثل الذي يبتاع الحائط بشرط البراءة من الجائحة )([44]). وقال الشاطبي([45]): الشروط مع مشروطاتها على ثلاثة أقسام: (أحدها: أن يكون مكملاً لحكمة المشروط وعاضداً لها بحيث لا يكون فيه منافاة لها على حال ، كاشتراط الصيام في الاعتكاف عند من يشترطه ، واشتراط الكفء والإمساك بالمعروف والتسريح بإحسان في النكاح ، واشتراط الرهن والحميل والنقد والنسيئة في الثمن في البيع ... فهذا القسم لا إشكال في صحته شرعاً لأنه مكمل لحكمة كل سبب يقتضي حكماً. والثاني: أن يكون غير ملائم لمقصود المشروط ولا مكمل لحكمته ، بل هو على الضد من الأول ،.... كما إذا اشترط في النكاح أن لا ينفق عليها أو ألا يطأها وليس بمجبوب ولا عنين ، أو شرط في البيع أن لا ينتفع بالمبيع ،.. أو شرط الصانع على المستصنع أن لا يضمن المستأجر عليه أو تلف وأن يصدقه في دعوى التلف .. وما أشبه ذلك ، فهذا القسم أيضاً لا إشكال في إبطاله ، لأنه مناف لحكمة السبب فلا يصح أن يجتمع معه. والثالث: أن لا يظهر في الشرط منافاة لمشروطه ولا ملاءمة ؛ وهو محل نظر: هل يلحق بالأول من جهة عدم المنافاة ؟ أو بالثاني من جهة عدم الملاءمة ظاهراً ؟ والقاعدة المستمرة في أمثال هذا ، التفرقة بين العبادات والمعاملات فما كان من العبادات لا يكتفي فيه بعدم المنافاة دون أن تظهر الملاءمة ، لأن الأصل فيها التعبد دون الالتفات إلى المعاني ، والأصل فيها أن لا يقدم عليها إلا بإذن ، إذ لا مجال للعقول في اختراع التعبدات ، فكذلك ما يتعلق بها من الشروط ، وما كان من العاديات يكتفي فيه بعـدم المنافاة ، لأن الأصل فيها الالتفات إلى المعاني دون التعـبد ، والأصل فيها الإذن حتى يدل الدليل على خلافه) ([46]).
المطلب الرابع ضوابط الشروط عند الشافعية
الشروط عندهم أي الشافعية أضرب([47]) ، ( الضرب الأول) (إذا شرط في البيع ... شرطاً يقتضيه البيع كالتسليم والرد بالعيب وما أشبهها لم يبطل .. فإن شرط ما لا يقتضيه العقد ولكن فيه مصلحة كالخيار والرهن والضمين لم يبطل العقد بل يصح ويثبت المشروط .. لأن الحاجة تدعو إليه..). (الضرب الثاني) ( أن يشترط ما لا يتعلق به غرض يورث تنازعاً كشرط ألاّ يأكل إلاّ الهريسة أو لا يلبس إلاّ الخز أو الكتان ... فهذا الشرط لا يفسد العقد بل يلغو ويصح البيع .... ولو شرط التزام ما ليس بلازم بأن باع بشرط أن يصلي النوافل أو يصوم غير رمضان ... بطل البيع لأنه الزم ما ليس بلازم وقال بعضهم مقتضى هذا فساد العقد في مسألة الهريسة). (الضرب الثالث) (فإن شرط ما سوى ذلك من الشروط التي تنافي مقتضى البيع بأن باع داراً بشرط أن يسكنها مدة أو ثوباً بشرط أن يخيطه بطل البيع لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (( أنه نهى عن بيع وشرط )). وقال الغزالي([48]): (بامتناع كل شرط في البيع ، والمفهوم من تعليله: أنه إذا انضم شرط إلى البيع بقيت معه عالقة بعد العقد ، يتصور بسببها منازعة ، ويفوت بفواتها مقصود العاقد ، وينعكس على أصل العقد ،.... ويستثني من هذا الأصل حال الإطلاق الشروط التالية: الأول: أو أن يشترط ما يوافق العقد ، كقوله: بعت بشرط أن تنتفع به وتتصرف كما تريد ، لأنه يبقى عالقة.... الثاني: شرط الخيار ثلاثة أيام فما دونه ، بشرط أن يكون معلوماً وأن لا يكون زائداً... الثالث: شرط المهلة في الثمن إلى ميقات معلوم .... ويعلل بعموم الحاجة لكي يعرف الكفيل بتعيينه ، والمرهون بتعيينه .... الرابع: شرط الوثيقة في الثمن بالرهن ، أو الكفيل أو الشهادة. الخامس: إذا شرط في المبيع وصفاً ناجزاً ، ليس يتوقف على أمره بعده ، وذلك ينقسم إلى ما يرجع إلى عين وإلى ما هو وصف محض: أما الوصف المحض: فيصح شرطـه ، كقوله: بعت البهيمة على أنها حبلى ، ففيه قولان ؛ أحدهما: البطلان ؛ لأنه يرجع إلى شرط إدراج الحمل في البيع ، فكأنه قال: بعـت الجارية وحملها بدينار فيلتفت على تفريق الصفقة . ووجه الأول: أن الحمل كالوصف في الحيوان..)([49]). ويفرقون في أثر الشرط من حيث الصحة والبطلان بين ما إذا كان الشرط مقارناً للعقد أو سابقاً أو لاحقاً له ؛ حيث جاء في المجموع (الشرط المقارن للعقد يلحقه فإن كان شرطاً صحيحاً لزم الوفاء به وإن كان فاسداً أفسد العقد وأما الشرط السابق فلا يلحق العقد ولا يؤثر فيه فلا يلزم الوفاء به ولا يفسد العقد به إن كان شرطاً فاسداً لأن ما قبل العقد لغو ... وأما الشرط الذي يشترط بعد تمام العقد فإن كان بعد لزوم العقد بانقضاء الخيار فهو لغو قطعاً وإن كان قبله في مدة خيار المجلس أو الشرط فثلاثة أوجه (احدها) لا يلحق وصححه بعضهم (والثاني) يلحق في خيار المجلس أو الشرط (والثالث) وهو الصحيح عند الجمهور يلحق في مدة الخيارين جميعاً..)([50]).
المطلب الخامس ضوابط الشروط عند الحنابلة
جاء في المغني: أن الشروط تنقسم إلى أربعة أقسام؛ (أحدها: ما هو من مقتضى العقد كاشتراط التسليم ، وخيار المجلس ، والتقابض في الحال ، فهذا وجوده كعدمه ، لا يفيد حكماً ، ولا يؤثر في العقد. والثاني: تتعلق به مصلحة العاقدين ، كالأجل والخيار والرهن والضمين والشهادة ... فهذا الشرط جائز يلزم الوفاء به . ولا نعلم في صحة هذين الشرطين خلافاً. والثالث: ما ليس من مقتضاه ولا من مصلحته، ولا ينافي مقتضاه، وهو نوعان: أحدها: اشتراط منفعة البائع في المبيع ، فهذا قد مضي ذكره ـ انظر الثاني أعلاه ـ الثاني: أن يشترط عقداً في عقد ، نحو أن يبيعه شيئاً بشرط أن يبيعه شيئاُ آخر ، أو أن يشتري منه أو يؤجـر أو يزوجه أو يسلفه أو يصرف له الثمن أو غيره ، فهذا شرط فاسد يفسد به البيع ، سواء اشترطه البائع أو المشتري. الرابع: اشتراط ما ينافي مقتضى البيع ، وهو على ضربين: أحدهما: اشتراط ما بني على التغليب والسراية ، فهل يصح ؟ على روايتين: أحدهما:، يصح ـ والدليل حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في شراء بريرة وسبق إيراده – والثانية: الشرط فاسد ، لأنه ينافي مقتضى العقد أشبه إذا شرطه أن لا يبيعه ، لأنه شرط عليه إزالة ملكه عنه ، وليس في حديث عائشة رضي الله عنها أنها شرطت لهم العتق ، وإنما أخبرتهم بإرادتهما لذلك من غير شرط ، فاشترطوا الولاء فإذا حكمنا بفساده فحكمه حكم سائر الشروط الفاسدة ، وإن حكمنا بصحته فأعتقه المشتري فقد وفي بما شرط عليه ، وإن لم يعتقه ففيه وجهان: أحدهما: يجبر ، لأن شـرط العتق إذا صح تعلـق بعينه فيجبر عليه كما لو نـذر عنه. والثاني: لا يجبر ، لأن الشـرط يوجـب فعل المشروط . بدليل ما لو شـرط الرهن أو الضمين، ..... الضرب الثاني: أن يشترط أن لا يبيع ولا يهب ... أو يشترط عليه أن يبيعه ..... فهذه وما أشبهها شروط فاسدة . وهل يفسد به البيع ؟ فـي قول يصح ، وفي آخر لا يصح... )([51]).
المطلب السادس ضوابط الشروط عند بعض الفقهاء
الفرع الأول :عند ابن حزم([52]): يرى ابن حزم أن الأصل في العقود ، والعهود، والشروط الحظر ، إلا إذا قام دليل بإباحته ، حيث قال تحت عنوان " في استصحاب الحال وبطلان جميع العقود والعهود، والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ( إذا ورد النص من القرآن والسنة الثابتة في أمر ما، على حكم ما ، ثم ادعى مدع أن - ذلك الحكم قد انتقل أو بطل ، من أجل أنه انتقل ذلك الشئ المحكوم فيه عن بعض أحواله ، أو لتبدل زمانه ، أو لتبدل مكانه ؛ فعلى مدعي انتقال الحكم من أجل ذلك ؛ أن يأتي ببرهان ـ من نص قرآن أو سنة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ثابتة - .. واستدل لرأيه بقول الله عز وجل (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) – الآية 3 المائـدة وبقوله تعالي (ِتلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) – الآية 229 البقـرة ، وبقوله تعالي: (مَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُـدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ )– الآية 14 النساء. ... وبحديث النبي صلى الله علي وسلم، وعن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلي الله عليه وسلم خطب عشية ، فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله، ثم قال ((أما بعد، فما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط ، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق))... قالوا فهذه الآيات وهذا الخبر براهين قاطعة في إبطال كل عهد وكل عقد وكل وعد وكل شرط ليس في كتاب الله الأمر به ، أو النص على إباحة عقده ، لأن العقود والعهود والوعود شروط ، واسم الشرط يقع على جميع ذلك ـ ثم ـ قال: وأيضاً فيقال لمن أوجب الوفاء بعقد أو عهد أو شرط أو وعد ، ليس في نص القرآن أو السنة الثابتة إيجاب عقد انفاذه: أننا بالضرورة ندري أنه لا يخلو كل عقد وعهد وشرط ووعد التزمه أحد لأحد مِن وجهين لا ثالث لهما: إما أن يكون في نص القرآن أو السنة إيجابه وانفاذه ، فإن كان كذلك فنحن لا نخالفكم في انفاذ ذلك وإيجابه ، وإما أن يكون ليس في نص القرآن ولا في السنة إيجابه ولا انفاذه ، ففي هذا اختلفنا ، .. إلى أن قال: فإن كان هكذا فإنه ضرورة لا ينفك من أحد أربعة أوجه لا خامس لها أصلاً: إما أن يكون فيه إباحة ما حرم الله تعالي في القرآن ، أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا عظيم لا يحل ، قال تعالى: (وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ) – الآية 29 سورة التوبة ، ... وإما أن يكون التزم فيه تحريم ما أباحه الله تعالى في القرآن أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا عظيم لا يحل ، قال تعالى : (َيا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ |
|