[size=42]
" أجازت لجنة الإفتاء التابعة لوزارة الشؤون الدينية شهر ماي الماضي زواج المسيار في الجزائر، في سابقة هي الأولى من نوعها، مما خلف جدلا واسعا مابين مؤيد ومعارض لهذا النوع من الزيجات التي وصفها الكثيرون بالدخيلة عن المجتمع و تعفي الرجل من المسؤولية وتختصر الزواج في العلاقة الجنسية، وهذا ما دفع وزير الشؤون الدينية والأوقاف السيد عبد الله غلام الله حينها إلى التراجع عن الفتوى ، خاصة وأنها تزامنت مع الانتخابات التشريعية وهاجس المقاطعة، وعاد الجدل من جديد هذه الأيام مع منظر السلفية العلمية في الجزائر الشيخ علي فركوس الذي أجاز في موقعه الأسبوع الماضي زواج المسيار لاعتبارات اجتماعية على غرار انتشار البطالة وأزمة السكن وارتفاع معدلات العنوسة والطلاق، وتواصل الجدل في ندوة الشروق أمس، بين المحامين الذين أكدوا أن القانون الجزائري لا يعترف بزواج المسيار وبين رجال الدين والإجتماع الذين طالبوا بتكييف القانون مع التحولات التي يعرفها المجتمع بما يضمن ضمان كرامة المرأة وتحصين الشباب من الفتن.
.
الدكتور حنطابلي:

المرأة "تسبي ذاتها" للرجل خوفا من شبح العنوسة

أكد الدكتور"يوسف حنطابلي" مختص في علم الاجتماع وأستاذ بجامعة البليدة، أن زواج المسيار من ناحية علم الاجتماع والمنظور السوسيولوجي تسبقه العلاقة بين الرجل والمرأة بعيدا عن العلاقات الاجتماعية والقيم العائلية التي تعطي له القيمة والشرعية وفقا للعادات والتقاليد، مضيفا أن الزواج في المجتمع الجزائري مرتبط بالقيم الدينية، فالفضاء العائلي لايمكنه إعطاء الشرعية للعلاقة بين الرجل والمرأة إلا في إطار شرعي، وأضاف لدى نزوله أول أمس في "فوروم الشروق" أن زواج المسيار في الجزائر أصبح مفروض على المرأة التي باتت تضغط على الرجل بمفهوم يسمى"السبي الذاتي" أي أنها تقدم نفسها ك للرجل، من أجل تأسيس علاقة زوجية كانت مرفوضة في السابق، تفاديا لشبح العنوسة وارتفاع تكاليف الزواج، والبطالة وأزمة السكن التي يقف عندها الرجل مكتوف الأيدي، فتأتي هي وتوفر له التسهيلات اللازمة وتتحول إلى منفق مالي، وتكون لها القدرة على التأثير في عائلتها، بعيدا عن التأثر بالقيم والتقاليد الاجتماعية، غير أن مجتمعنا يضيف يرفض هذا النوع من الزواج باعتباره سلعة..

وأعطى ذات المتحدث صبغة جديدة لزواج المسيار وهو ظهور معطى جديد يكمن في الفضاء العمومي الذي يخلق تطورا بين العلاقة الموجودة بين الرجل والمرأة أين تخلق الرمزية، والمورث العائلي موجود، معتبرا أن العلاقة بين الرجل والمرأة لا تكون إلا بالشرعية الدينية، ووصف محدثنا زواج المسيار الذي أصبح عبارة عن "سوق الزواج" بدل الاعتقاد السائد على وجود اختيار مسبق يحدد العرض والطلب.
.
المحامي بهلولي:

"القانون الجزائري لا يعترف بزواج المسيار"

كشف بهلولي إبراهيم، محام معتمد لدى المحكمة العليا وأستاذ محاضر بجامعة الحقوق بن عكنون في منتدى الشروق بأن القانون الجزائري لا يعترف بزواج المسيار، مشيرا إلى أنه لا يوجد نص صريح حول هذا النوع من الزواج، حيث أكد محدثنا على أن المشرع الجزائري في قانون الأسرة المعدل سنة 2005 تكلم على الزواج العادي وشروطه، كما جاء بنص صريح حول التعدد وإثبات الزواج العرفي لكن فيما يخص زواج المسيار - يقول الأستاذ بهلولي - "لم يتكلم القانون الجزائري صراحة على زواج المسيار لكنه يلتقي مع الزواج العرفي في حال عدم توثيقه"، وأضاف أن مواد قانون الأسرة تمنع ضمنيا قانون المسيار من خلال حق النفقة والمسكن المكفول للزوجة والأولاد.

وفي السياق ذاته، شرح الأستاذ بهلولي ابراهيم بأن تقييد القانون الجزائري للتعدد بشرط الحصول على إذن الزوجة واستصدار تصريح من قبل رئيس المحكمة هو من أهم أسباب اللجوء إلى زواج المسيار في الجزائر، حيث لا يكون الرجل ملزما بتوفير مسكن للزوجة الثانية أو حتى الإنفاق عليها وهذا بناء على رضاها باعتبار أن الزوجة إذا قبلت بزواج المسيار فهي تتخلى عن حقها في السكن وحتى النفقة أحيانا ما يسهل على الرجل الزواج بثانية دون مسؤوليات.

وأشار المحامي بهلولي إلى أن كل علاقة زوجية مهما كانت تسميتها وتكون موثقة فحتما يترتب عليها أثار قانونية في حالة فك الرابطة الزوجية، فمن حق الزوجة الحصول على النفقة والمسكن وهو ما ينص عليه المشرع الجزائري صراحة في قانون الأسرة المعدل سنة 2005، وبالتالي - يقول المحامي - فحتى لو تنازلت المرأة عن حق المسكن والنفقة في زواجها على أساس أنه مسيار، فالقانون لا يعترف بهذا النوع من الزواج وسيترتب عليه في حال فك الرابطة الزوجية ووجود أولاد كل الحقوق من نفقة وحق في المسكن أو بدل إيجار شقة، لكن المشكل يبقى مطروحا في حال لم يوثق الزواج، فتجد المرأة نفسها في متاهات العدالة لإثبات زواج عرفي وإثبات النسب، ليبقى الأولاد هم الضحايا رقم واحد لمثل هذه الزيجات غير المقننة.
.المحامي أحمد دهيم:

"قانون الأسرة يمنع توثيق المسيار في عقود الزواج"

أشار أحمد دهيم المحامي لدى مجلس قضاء العاصمة في ندوة الشروق حول زواج المسيار إلى أن حقوق وواجبات المرأة هي سبب انتشار العنوسة، وعزوف الشباب الجزائري على الزواج وهي وجه من أوجه انتشار الزواج العرفي وحتى الخيانة الزوجية، وزواج المسيار الذي أثار جدلا واسعا وسط الشباب الجزائري منذ الافتاء به كان للتقليل من العنوسة وبسبب أزمة السكن والبطالة، وأضاف محدثنا بأن وعي المرأة ومناداتها بحقوقها والتي كفلها القانون من نفقة وإيواء وغيرها خاصة في حالة وجود أولاد جعل الشاب الجزائري يفكر ألف مرة قبل الزواج ونفس الشيء في حالة الطلاق حيث تترتب عليه مصاريف كثيرة، مؤكدا على أن زواج المسيار ليس حلا لمشكل العنوسة.

وأكد الأستاذ دهيم على أن زواج المسيار وفقا للقانون هو زواج عاديٌّ مستوفٍ للشروط من مهر وولي وشهود، لكنه مسيار من حيث الاتفاق الذي يجمع بين المرأة والرجل بتنازلها عن حق المسكن وبقائها في بيت والديها. مشددا على أن أساس عقد الزواج هو الرضا، ومن أهم أهدافه حسب ما هو معرف في القانون هو تكوين أسرة والمحافظة على الأنساب، واعتبر محدثنا بأن النفقة حق أساسي من حقوق الزوجة وخاصة الأولاد، والمشرع الجزائري لا يتسامح في هذا الشرط حتى لو تنازلت الزوجة، فللأولاد حقوق في النفقة خاصة إذا كانوا قاصرين ولو كان اسم هذا الزواج عادي أم مسيار، وحتى وإن اتفق الطرفان على تنازل المرأة على النفقة، وأضاف محدثنا بأن صيغة زواج المسيار المعروف في دول الخليج تصطدم في الجزائر بمواد قانون الأسرة التي تحمي حقوق المرأة، خاصة إذا كان الزواج موثقا أي ليس عرفيا، ليشير الأستاذ للمادة 53 مكرر التي تمنح للمرأة حق التطليق في حالة غياب زوجها عنها لمدة 4 أشهر.

وفي إجابته على سؤال الشروق حول إمكانية كتابة شرط عدم توفير النفقة والمسكن في عقد الزواج برضا الطرفين في حالة زواج المسيار، حتى لا تطالب الزوجة بحقوقها فيما بعد في حالة فك الرابطة الزوجية؟ أكد الأستاذ دهيم على أن حق النفقة والمسكن مكفول قانونا خاصة للأولاد وإذا كان الزواج موثقا في الحالة المدنية، وهي حقوق حتى وإن تخلت عنها الزوجة برضاها فهي ملزمة للوالد ومن التبعات القانونية للطلاق، أي يفرض القانون عليه نفقة أولاده و تأمين بيت لهم، وإن لم يفعل ذلك سيتعرض للعقوبة الجزائية وفي كثير من الأحيان دخول السجن، وأضاف بأن المحاكم الجزائرية لم تعرف لحد الآن زواج المسيار، فيما لا يزال المشكل الوحيد هو إثبات النسب في الزواج العرفي.

.

الإمام سليم محمدي:

الدين أجاز زواج المسيار حفاظا على خصوصية بعض النساء

أكد الإمام سليم محمدي إمام ومفتش بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف أن كلمة "مسيار" هلي عبارة خليحية دارجة دخيلة عن المجتمع الجزائري ولها معنيان؛ الأول أن يكثر الرجل السير إلى المرأة في النهار والليل بسبب عدم وجود بيت مستقر يجتمعان فيه، والمعنى الثاني يتضمن تيسيير تكاليف الزواج حسب خصوصية كل امرأة، وأضاف أن الإسلام يتفهم خصوصية المرأة أكثر من القانون والأعراف الاجتماعية التي قد تنبذ أنماطا معينة من الزواج قد يجيزها الدين لصالح المرأة خاصة إذا مات زوجها أو طلقت أو أرادت أن تتزوج من شاب يصغرها سنا أو في سن أبيها أو جدها، ففي هذه الأمثلة تنبذ الأعراف الاجتماعية هذا النوع من الزيجات لكن الإسلام يقبلها لأنها تستوفي جميع الشروط الشرعية وجاءت لتصون كرامة المرأة وعرضها، وقال الإمام سليم محمدي أن زواج المسيار يعني أن تتنازل المرأة عن بعض حقوقها على غرار المسكن أو النفقة على عكس من يعتبر هذا الزواج تنازل المرأة عن جميع الحقوق، وأضاف أن التنازل يجب أن يكون اختيارا ولا اضطراريا وهذا يعود لظروف كل امرأة، وقال محدثنا أن زواج المسيار يشترط فيه العلن والتوثيق في الحالة المدنية وإلا تحول إلى زواج عرفي، أين تهدر حقوق المرأة، خاصة إذا أنجبت أولادا وطلقت، وطالب بضرورة تكييف القانون مع ما يجيزه الدين بهدف مراعاة بعض الحالات، أين تضطر المرأة إلى تزويج نفسها من الرجل حفاظا على كرامتها ودينها خاصة إذا كانت ميسورة الحال على عكس الرجل الذي قد يكون في حالة بطالة مؤقتة ولا يملك نفسها.

ورفض "سليم محمدي" بشدة تسمية زواج المسيار بـ"الزنا المقننة" أو اعتباره تحايلا على الدين، كونه ليس ملزما على الزوجة فمن حق الرجل القبول والمرأة أيضا ومن حقهما رفض مثل هذه الزيجات، سيما وانه رفع من الحالة السرية إلى العلنية، ويختلف على الزواج العادي من حيث إسقاط المرأة لبعض حقوقها لحفظ عرضها، واصفا هذا اللفظ بالخطير جدا باعتباره رمي بالفاحشة ويعاقب عليه الشرع، ولابد من جلد متلفظه 80 جلدة، وأن من يبيح هذا النوع من الزيجات يكون من منطلق الحفاظ على النسل وتكوين أسرة في ظل عراقيل البطالة وأزمة السكن."

[/size]