يظن بعض المسلمين أن رضا الله عز وجل على العبد في رمضان متعلِّقٌ فقط بامتناعه
عن الطعام والشراب من وقت الفجر إلى المغرب،
بينما الصواب أن الصيام عبادة متكاملة، لها شروط وآداب، ولها صفة وشكل، فمَنْ لم يكترث
بتطبيق الشكل الذي أراده الله منا فلا يتوقعنَّ أن يرضى الله عنه، بل يكون قد عذَّب نفسه بالجوع والعطش،
بينما لم يُحَصِّل شيئًا من الأجر، وقد روى ابن ماجه -وقال الألباني: حسن صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ»،
فالله عز وجل قد فرض علينا الصيام لتهذيب نفوسنا، وتحسين أخلاقنا، وتنوير بصائرنا، أو قل إجمالًا:
لتحقيق التقوى في حياتنا، فقد قال تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
[البقرة: 183]،
ولهذا فلا معنى لصيام البطن عن الطعام بينما تقع كل جوارح الإنسان في الحرام،
فالواجب أن يُعَلِّمنا الصيامُ أن نحفظ ألسنتنا، وأعيننا، وآذاننا، وكل جوارحنا عن الإثم والمعصية،
وهذه هي سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيام،
فقد روى البخاري عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»،
وروى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ،
وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»،
فلْيحفظ كل واحد منا صومَه، ولْيُكْمِل نُسُكه، ولْيعلم أن أجره في الصيام ليس
مرتبطًا فقط بامتناعه عن الشراب والطعام، بل مرتبط كذلك بامتناع جوارحه عن الحرام!
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني