الرحمن الرحيم
الظلم ومواجهة الظالمين
قال الله تعالى { فَمَنْ أَظْلَمُ ممن افترى على الله كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاس بغير علم } الانعام.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إذا رأيت أمتي تهابُ أن تقول للظالمِ يا ظالم فقد تُودِّعَ منهم"
رواه الحاكم في المستدرك.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا في هذا الحديث على مواجهة الظالم وزجره عن ظلمه
ويبين لنا خطورة ترك هذا الامر.
فإن الناس إذا تركوا أن يحذروا من الظالم ويزجروه في وجهه فإن الله تبارك وتعالى يتخلى عنهم أي
يقطع نصرتَه عنهم.
والرسول تحدث عن أمته أنهم إذا وصلوا الى حالة يهابون فيها أن يقولوا للظالم يا ظالم عندئذ تودع الله منهم
أي تركهم الله ووكلهم الى أنفسهم
أي قطع عنهم نصرتَه.
وفي هذا الحديث دليل أن من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يقال للظالم في وجهه
" يا ظالم "
لزجره ول
الناس منه،
لأن الظالم عندما يعلم أن بعض الناس تواجهه أمام الناس بوصفه بما فيه يرتدعُ
وإن لم يرتدع هو يخفّ شره من حيث إن مواجهتنا له عظة واعتبار لغيره كي لا يفعل فعلتَه لأنه سيقول في نفسه
" إن أنا فعلت مثله قد يخرج لي من يحذر مني ويفضحني امام الناس ".
عندها يكف عن سلوك مسلك هذا الظالم.
أنواع الظالمين
والظالمون أصناف منهم من يأكل أموالَ الناس بالغش والخيانة
ومنهم من يأكل أماناتِ الناس ظلماً
ومنهم من يتصدر لتدريس الدين وليس هو من أهل العلم فيُحل ويُحرم على هواه دون الاستناد الى مستندٍ شرعي
هذا أيضا ظالم لنفسه وظالم لمن عمل بعمله.
الكفر هو رأس الظلم
إن الكفر هو رأس الظلم وأشده وأخطره فقد قال تعالى { والكافرون هم الظالمون } البقرة.
أي أن الكافرين بلغوا نهاية الظلم.
وقال تعالى { ان الشرك لظلم عظيم } لقمان.
وأما ما سوى الكفر من ظلمٍ كأكل أموال الناس بالباطل أو ضربهم بغير حق فهذا قليل بالنسبة للكفر الذي هو أشد أنواع الظلم.
وان من يدعو الى ضلالة كفرية أو يخطب في الناس ويدعوهم الى الفتنة في الدين فإن ظلمه هو أشد وأكبر من آكل الاموال بالباطل.
ومن قال لشخص ظالم بأي نوع من أنواع الظلم " أنت ظالم " بنية زجره ليرتدع أو بنية
غيره منه
فلا يكون هذا الناصح المحارب للظلم مسيئا في حكم شرع الله بل له ثواب عند ربه.
وهذا مأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ".
الاقتداء بالامام الشافعي
لقد كان الامام الشافعي مُجاهراً بالحق مجابهاً للباطل والظلم شأنه في ذلك شأنَ الأئمة المهدِيين والعلماء العاملين
بنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاءه ذات يوم رجل يقال له " حفص الفرد " فناقشه في مسألة العقيدة وكان هذا الرجل معانداً مكابراً يعتقد اعتقاداً منافياً لشهادة
أن لا إله إلا الله ويُشبه اللهَ بمخلوقاته
ثم لما أقام عليه الامام الشافعي الحجة والدليل وظل على عِناده
قال له الشافعي رضي الله عنه
" لقد كفرتَ بالله العظيم "
وكان يسميه حفصاً المنفرد أي الشاذ عن العقيدة الحقة.
لا تلوموا أهل الحق
هذا الامام الشافعي رضي الله عنه الذي هو من أئمة الهدى كان من السلف الصالح
توفي سنة مائتين وأربع هجرية،
واجه هذا الشخص الضالَّ وقال له في وجهه " كفرت بالله العظيم "
فهل أحسن الشافعي في ذلك أم أساء
لأن بعض الناس إذا عرفوا أن عالماً عرف من شخص كفراً فكفَّره بحق يعترضون ويقولون
" أنت تفَرِّقُ الصف، أنت تكفر المسلمين"
أما المنصفون فلا يقولون هذا
بل يقولون
" إن كان تكفيره بحق ولسبب شرعي فلا حرج عليه ولا لوم "
ومن كَفَّر مسلماً بلا سبب شرعي وبلا تأويل فقد كفر هو.
أخي المسلم، إذا سمعت شخصاً
يسب رب العالمين
أو نبياً من الانبياء
أو ملكاً من الملائكة
أو استهزأ بالقرآن أو الصلاة أو الصيام
أو استهزأ بالجنة أو النار كقول بعض الناس عن النار " غدا نتدفأ فيها "
فلا تستح أن تأمره بالشهادتين
بنية الدخول في الاسلام
وفي ذلك خير ولا حرج ولا لوم عليك إن أنت قلت له مع الحكمة
" أنت وقعت في الكفر فيجب أن تعود الى الاسلام بالنطق بالشهادتين ".
الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة
قال الله تعالى { ادعُ الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " النحل.
ودعوة الناس الى الاسلام تكون بالاسلوب الحسن وبالحكمة
فمن علمتَ منه ضلالاً وكان بحيث إذا كلمتَه بحضرة أناس يزداد تكبراً وعناداً فلا يصغي لكلمة الحق،
ولو كلمته سراً يصغي للحق ويرجع عن غَيه وضلاله
فإن هذا يُكلَّم سراً حتى يُصلح ما أفسده وإن كان قد علّمه لبعض الناس حذرهم مما أوقعهم فيه من الضلال من قَبل.
وقد قال سيدنا الحسن رضي الله عنه " العار خير من النار "
رواه الحافظ ابن حجر.
وأما من عُرف عناده وكان لا يرجع لو أقيمت عليه الحجة في وجهه فهذا يقال له من باب ال
منه
" أنت كذبت القرآن أو أفتيت بغير ما أنزل الله "
كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول للظالم أنت ظالم،
وان هذا ال
ليس مستنكراً عند أهل العلم بل هو عين الحق.
وإن قال قائل " أليس جاء في سيرة الرسول أنه كان إذا أراد أن يحذر شخصاً من شىء يقول :" ما بالُ أقوامٍ يفعلون كذا وكذا".
من غير أن يسميهم.
فالجواب على ذلك ان هذا إذا كان الشخص يكتفي بمجرد ال
منه من غير تسميته
أو إذا كنا نأمن أن لا يصل ضرره الى الغير.
أما إذا كان تعدّى ضرره بأن اقتدى به أناس في ضلاله فإننا نُصَرِّحُ باسمه ونحذر منه إن لم يتب
حفاظاً على دين الله
وهذا أولى من مداهنة الناس على حساب الشرع
فقد أمرنا رسول الله أن نقول للظالم يا ظالم.
الساكت عن الحق شيطان أخرس
أخي المسلم، إن ترك مواجهة الشخص الظالم بالمرَّةِ في جميع الحالات وعدم زجره عن الظلم ولو في وجهه أو نحو ذلك من العبارات
يُعدّ إهمالاً وإعراضاً عن الحقيقة التي كان عليها رسول الله والصحابة والتابعين.
وقد توعَّد الله من يترك مواجهة الظالم لغير عذر بأن يقطع عنه نصرتَه.
فلا تخشَ أخي المسلم في الحق لومة لائم ولا سخط مخلوق.
والله اعلم واحكم.