وأما استواء الله على العرش فقد ورد قرءانًا قال تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في ستة مواضع في سورة الأعراف ويونس والرعد والسجدة والفرقان والحديد وفي سابعها طه بقوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وليعلم أنه لا يجوز تفسير القرءان بما لا يوافق اللغة فالوجه واليد والعين وردت بمعنى الجسم في حق المخلوق في القرءان وبمعنى غير الجسم ولم يرد في القرءان إطلاقا الجلوس على الله فلا يجوز أن يقال إنه جالس على العرش لا كجلوسنا لأن الجلوس لا يطلق إلا كصفة للجسم.
ثم إن القرءان نزل بلغة العرب ومعاني كلامهم وما كانوا يتعقلونه في خطابهم، فالاستواء في لغة العرب له خمسة عشر معنى كما قال الحافظ أبو بكر بن العربي في العارضة ما نصه [وللاستواء في كلام العرب خمسة عشر معنى ما بين حقيقة ومجاز، منها ما يجوز على الله فيكون معنى الآية ومنها ما لا يجوز على الله بحال وهو إذا كان الاستواء بمعنى التمكن أو الاستقرار].
وفي كتاب المفردات في غريب القرءان للشيخ الراغب الأصفهاني ما نصه [واستوى يقال على وجهين: أحدهما: يسند إليه فاعلان فصاعدا نحو استوى زيد وعمرو في كذا أي تساويا قال تعالى {لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ}. والثاني: أن يقال لاعتدال الشىء نحو قوله تعالى {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ} ومتى عدي ب [على] اقتضى الاستيلاء كقوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقيل معناه استوى له ما في السموات وما في الأرض أي استقام الكل على مراده بتسوية الله إياه كقوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ} وقيل معناه استوى كل شىء في النسبة إليه فلا شئ أقرب إليه من شئ إذ الله تعالى ليس كالأجسام الحالَّة في مكان دون مكان].اه
ثم إن السلف والخلف متفقون على أن ظواهر الآيات والأحاديث التي ظاهرها نسبة الحيز والجهة والجسمية محال على الله وذلك لأنه لو كان الله في جهة من الجهات لكان له أمثال والله تعالى يقول {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} ويقول أيضا {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} أي الوصف الذي لا يُشبه وصف غيره.
قال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني في مناهل العرفان في علوم القرءان [اتفق الجميع من سلف وخلف على أن ظاهر الاستواء على العرش وهو الجلوس عليه مع التمكن والتحيز مستحيل لأن الأدلة القاطعة تنزه الله عن أن يشبه خلقه أو يحتاج إلى شئ منه سواء أكان مكانا يحل فيه أم غيره وكذلك اتفق السلف والخلف على أن هذا الظاهر غير مراد لله قطعا لأنه تعالى نفى عن نفسه المماثلة لخلقه وأثبت لنفسه الغنى عنهم فقال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وقال {وهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فلو أراد هذا الظاهر لكان متناقضا، ثم اختلف السلف والخلف فرأى السلفيون أن يفوضوا تعيين معنى الاستواء إلى الله هو أعلم بما نسبه إلى نفسه وأعلم بما يليق به ولا دليل عندهم على هذا التعيين ورأى الخلف أن يؤولوا لأنه يبعد كل البعد أن يخاطب الله عباده بما لا يفهمون، وما دام ميدان اللغة متسعا للتأويل وجب التأويل، بَيْد أنهم افترقوا في هذا التأويل فرقتين فطائفة الأشاعرة يؤولون من غير تعيين ويقولون إن المراد إثبات أنه تعالى متصف بصفة سمعية لا نعلمها على التعيين تسمى صفة الاستواء، وطائفة المتأخرين يعينون فيقولون إن المراد بالاستواء هنا الاستيلاء والقهر من غير معاناة ولا تكلف لأن اللغة تتسع لهذا المعنى ومنه قول الشاعر العربي: قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق ،أي استوى وقهر أو دبر وحكم، فكذلك يكون معنى النص الكريم الرحمن استولى على عرش العالم وحَكم العالم بقدرته ودبّرَه بمشيئته].اه
ونقل زاهد الكوثري في تعليقه على الأسماء والصفات قال [قال المحدث ابن المعلم في نجم المهتدي ما نصه: اعلم أرشدنا الله وإيَّاك أن العلماء انقسموا في تأويل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قسمين: فريق أوَّل التركيب وفريقٌ أوَّل الإفراد، وهؤلاء على قِسمين قسمٌ أوَّل استوى وقِسمٌ أوَّل العرش، ثم سرد ابن المعلم تلك المعاني الخمسة عشر عازيا كل معنى منها إلى قائله من الأئمة كالأشعري وأبي منصور وأبي إسحاق الاسفرايني وعبد القاهر التميمي وأبي جعفر السمناني وإمام الحرمين وغيرهم وتلك المعاني نحو الملك واستئثار الملك، واستواء الحكم، والاستيلاء المجرد عن معنى المغالبة والاقبال، والإتقان، وعلو العظمة والعزة، وعلو القهر والغلبة، إلى غير ذلك من المعاني المذكورة في الجزء الخامس من نجم المهتدي. ثم قال ابن المعلم: فقد ظهر لكم أيدكم الله هذه التأويلات فأيها تَرجَّح عندكم فاحملوا اللفظَ عليه فإن الظاهرَ منفيٌّ بإجماع علماء السنة، فلله الحمد على اتباعهم]. اه
وقال ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله فإن الله لا يشبهه شئ من خلقه و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى].اه
وقال القرطبي في قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [هذه مسألة الاستواء وللعلماء فيها كلام وإجراء وقد بينا أقوال العلماء فيها في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى وذكرنا فيها هناك أربعة عشر قولا والأكثر من المتقدمين والمتأخرين أنه إذا وجب تنزيه البارئ سبحانه عن الجهة والحيز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم من المتأخرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة فليس بجهة فوق عندهم أي أهل السنة والجماعة لأنه يلزم من ذلك عندهم متى ما اختص بجهة أن يكون في مكان أو حيز ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز والتغير والحدوث. وحكى أبو عمر بن عبد البر عن أبي عبيدة في قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال علا وقال الشاعر: فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة وقد حلق النجم اليماني فاستوى أي علا وارتفع. قلت: فعلو الله تعالى وارتفاعه عبارة عن علو مجده وصفاته وملكوته أي ليس فوقه فيما يجب له من معاني الجلال أحد ولا معه من يكون العلو مشتركا بينه وبينه لكنه العلي بالإطلاق سبحانه].اه
قال الإمام الغزالي في الإحياء: [الأصل الثامن] [العلم بأنه تعالى مستو على عرشه بالمعنى الذي أراده الله تعالى بالاستواء، وهو الذي لا ينافي وصف الكبرياء ولا يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء، وهو الذي أريد بالاستواء إلى السماء حيث قال في القرءان {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} وليس ذلك إلا بطريق القهر والاستيلاء، واضطر أهل الحق إلى هذا التأويل كما اضطر أهل الباطل إلى تأويل قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} إذ حَمْلُ ذلك بالاتفاق على الإحاطة والعلم وحَمْلُ قوله صلى الله عليه وسلم: المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن على القدرة والقهر وحَمْلُ قوله صلى الله عليه وسلم: الحجر الأسود يمين الله في أرضه على التشريف والإكرام لأنه لو ترك على ظاهره للزم منه المحال. فكذا الاستواء لو ترك على الإستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسما مماسا للعرش إما مثله أو أكبر منه أو أصغر، وذلك محال، وما يؤدي إلى المحال فهو محال].اه
قال الإمام أبو نصر القشيري في التذكرة الشرقية فيما نقله الحافظ الزبيدي: [فإن قيل أليس الله يقول {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فيجب الأخذ بظاهره؟ قلنا الله يقول أيضا {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} ويقول تعالى {أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ} فينبغي أيضا أن تأخذ بظاهر هذه الآيات حتى يكون على العرش وعندنا ومعنا ومحيطا بالعالم محدقا به بالذات والواحد يستحيل أن يكون بذاته في حالة بكل مكان قالوا قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ} يعني بالعلم و {بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ} إحاطة العلم قلنا وقوله تعالى {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قهر وحفظ وأبقى].
وقال الإمام محمد أحمد الشنقيطي في الفتح الرباني وهو شرح على نظم الرسالة [{عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فالاستواء معلوم من كتاب الله والكيف غير معقول والإيمان والتفويض والتسليم وتنزيه الله عن صفات الحوادث واجب والسؤال عنه وعن المشابه والخوض فيهما بدعة لأن العجز عن إدراك حقيقة ذاته إيمان وإدراك، والخوض فيهما هلاك فالله جلَّ شأنه خلق الزمان والمكان والكائنات ولم يفتقر إلى شىء منها وكلها مفتقرة إليه وهو على ما عليه كان].اه
وفي حاشية الشيخ زين الدين قاسم على المسايرة [ولما قالت الكرامية إن الله في جهة الفوق من غير استقرار على العرش وقالت المشبهة والمجسمة بالاستقرار على العرش وتعلقوا بقوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أجاب أهل الحق بأن الاستواء مشترك بين معان والعرش مشترك أيضا بين السرير والملك، قال القائل إذا ما بنو مروان زالت عروشهم ومع الإشتراك لا يكون حجة والمعنى الأليق الإستيلاء فيحمل عليه من غير قطع بأنه المراد].اه
وفي كتاب ردود على أباطيل للشيخ محمد الحامد ما نصه [أما أن يكون جالسا في السماء جلوس الإنسان أو مستويا على العرش كاستواء الملك على سرير ملكه فلا وأنه زيغ وضلال وخسران مبين {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} وإن استواء الله على عرشه يجري فيه المذهبان للسلف والخلف: فالسلف يُفوّضون معناه إلى الله تعالى مع التنزيه، والخلف يؤولونه بالاستيلاء على العرش وهو أعظم المكونات فهو إذا مستول على غيره بالأولى من غير استعصاء سابق لا من العرش ولا من غيره].اه
وأسند البيهقي في كتابه الإعتقاد والهداية بسند صحيح عن أحمد بن أبي الحواري عن سفيان بن عيينة قال [كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه. قال الشيخ: وإنما أراد والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف، وتكييفه يقتضي تشبيها له بخلقه في أوصاف الحدث].اه وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ومن طريق أبي بكر الضبعي قال [مذهب أهل السنة في قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال بلا كيف والآثار فيه عن السلف كثيرة وهذه طريقة الشافعي وأحمد ابن حنبل].اه
قال الإمام أحمد الرفاعي في البرهان المؤيد [وكذلك قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه لما سئل عن ذلك: ءامنت بلا تشبيه، وصدقت بلا تمثيل، واتهمت نفسي في الإدراك، وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك. وسئل الإمام أحمد رضي الله عنه عن الاستواء فقال: "استوى كما أخبر، لا كما يخطر للبشر". وقال الإمام ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام "من زعم أن الله في شىء، أو من شىء، أو على شىء، فقد أشرك! إذ لو كان على شىء لكان محمولا، ولو كان في شىء لكان محصورا، ولو كان من شىء لكان محدثا"]. اه
وفي كتاب الإنصاف للباقلاني [وأنَّ الله جلَّ ثناؤه مستو على العرش ومستو على جميع خلقه كما قال تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} بغير مماسة وكيفية، ولا مجاورة وأنه في السماء إله وفي الأرض إله كما أخبر بذلك. ثم قال، وقد سئل الشبلي عن قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فقال: الرحمن لم يزل ولا يزول، والعرش محدث، والعرش بالرحمن استوى].اه
وقد قال بعض أصحابنا [إن الاستواء صفة الله تعالى بنفي الاعوجاج عنه].اه وقد قال مصباح التوحيد ومصباح التفريد الإمام علي بن أبي طالب فيما رواه عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق [إن الله تعالى خلق العرش إظهارا لقدرته ولم يتخذه مكانا لذاته].اه
قال الإمام البيهقي في الاعتقاد [ويجب أن يعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان ولا مماثلة لشىء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، بائن من جميع خلقه، وأن اتيانه ليس باتيان من مكان الى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة وأن نزوله ليس بنقلة وأن نفهمه ليس بجسم وأن وجهه ليس بصورة وأن يده ليست بجارحة وأن عينه ليست بحدقة وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها، ونفينا عنها التكييف فقد قال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وقال {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} وقال {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}].اه
قال المحدِّث الكوثري [ومعنى [بائن من خلقه] بمعنى أنه غير ممازج للخلق لا بمعنى أنه متباعد عن الخلق بالمسافة، تعالى الله عن القرب والبعد الحسيين، والبينونة الحسية].اه
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام المالكي سلطان العلماء في عقيدته [استوى على العرش المجيد على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، فتعالى الله الكبير المتعال عما يقوله أهل الغي والضلال].اه
وقال الحافظ ابن حجر [وليس قولنا إن الله على العرش أي مماس له أو متمكن فيه أو متحيز في جهة من جهاته بل هو خبر جاء به التوقيف، فقلنا به ونفينا عنه التكييف إذ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وبالله التوفيق].اه
وقال أبو سعيد المتولي في الغنية ردا على من فسر الاستواء بالاستقرار [فإن قيل الاستواء إذا كان بمعنى القهر والغلبة يقتضي منازعة سابقة وذلك محال في وصفه، قلنا والاستواء بمعنى الاستقرار يقتضي سبق الاضطراب والاعوجاج وذلك محال في حقه].اه
وقال القاضي أبو بكر بن العربي قال [إنَّ لكلمة استوى أكثر من خمسة عشر معنى فمن فسر استوى بالاستيلاء والقهر جاء بما يوافق لغة العرب ولم يأت بما يخالف لغة العرب ولا الشريعة المطهرة].اه
وقال الشيخ محي الدين محمد بن بهاء الدين الحنفي في كتابه القول الفصل في شرح الفقه الأكبر [ومنها الاستواء بدلالة قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال الأكثرون هو الاستيلاء فيؤول إلى القدرة].اه
وقال أبو الحسن الصغير في كفاية الطالب الرباني في قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [فمعنى استوائه على عرشه أن الله تعالى استولى عليه استيلاء ملك قادر قاهر ومن استولى على أعظم الأشياء كان ما دونه في ضمنه ومنطويا تحته، وقيل الاستواء بمعنى العلو أي علو مرتبة ومكانة لا علو مكان].اه
وفي تفسير النسفي عند قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [استولى، عن الزجاج ونبه بذكر العرش وهو أعظم المخلوقات على غيره وقيل لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يرادف الملك جعلوه كناية عن الملك فقال استوى فلان على العرش أي ملك وإن لم يقعد على السرير البتة وهذا كقولك يد فلان مبسوطة أي جواد وإن لم يكن له يد رأسا والمذهب قول علي رضي الله عنه: الاستواء غير مجهول والتكييف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة لأنه تعالى كان ولا مكان فهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان].ا ه
قال الإمام تاج الدين محمد بن هبة الله المكي الحموي في حدائق الفصول وجواهر الأصول في علم الكلام على أصول أبي الحسن الأشعري [قد [استوى] اللهُ[على العرشِ كما شاء] وَمَنْ كَيَّفَ ذاكَ جَسما والاستواءُ لفْظة مشهورَةْ لها معان جَمةً كثيرة فنَكِلُ الأمرَ إلى الله كما فوَّضهُ مَنْ قبلَنَا مِنْ عُلَما].اه وفي الحديقة الندية [فالاستواء في قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ليس معناه أن استواء الله تعالى كاستواء الأجسام لأنه تعالى ليس بجسم بل استواء يليق به تعالى وبكمال تنزيهه عن مشابهة كل شىء].اه
وأما قول الله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} قال الإمام الرازي في تفسيره الكبير فيه مسائل [المسألة الأولى: الاستواء في لغة العرب قد يكون بمعنى الانتصاب وضده الاعوجاج ولما كان ذلك من صفات الأجسام فالله تعالى يجب أن يكون منزها عن ذلك ولأن في الآية ما يدل على فساده لأن قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى} يقتضي التراخي ولو كان المراد من هذا الاستواء العلو بالمكان لكان ذلك العلو حاصلا أولا ولو كان حاصلا أولا لما كان متأخرا عن خلق ما في الأرض لكن قوله {ثُمَّ اسْتَوَى} يقتضي التراخي ولما ثبت هذا وجب التأويل وتقريره أن معنى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} أي خلق بعد خلق الأرض السماء].اهـ
ويذكر عن أبي العالية الرياحي في هذه الآية [أنه يقال استوى بمعنى ارتفع قال البيهقي في الأسماء والصفات ومراده من ذلك ارتفاع أمره وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء].اه
قال أبو الحسن الأشعري [وقد نقل الاجماع على إحالة كونه في جهة الفقيه المالكي محمد بن أحمد ميارة في كتابه الدر الثمين حيث قال: وأما الإجماع فأجمع أهل الحق قاطبة على أن الله لا جهة له فلا فوق ولا تحت ولا شمال ولا خلف].اه