[center]ال
من الغناء
الحمد لله العلي القدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، سبحانه أرسَل رسولَه لإنارة البصائر، وأشكره على ما أَنعَم به من سَمْعٍ للسامع وعين للناظر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحب المتَّقين، ويُبغِض الفاسقين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، خاتَم المرسلين، وسيِّد المتَّقين، اللهم صلِّ وسلم وبارِك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، الذين جاهَدوا من أجل كلمة التوحيد، فصاروا أعلى الموحِّدين بعد النبيِّين، وعرَفوا معنى لا إله إلا الله بأنها تَنْفي كلَّ طاعةٍ في معصية الله، وعرَفوا لا إله إلا الله بأنها تُثبِت وحدانيَّته عز وجل؛ فهو المستحِقُّ لأن يَعبُده الخلقُ أجمعون.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن زلزلةَ الساعة شيء عظيم، وقد وصَف الله تعالى حالتَكم حين مشاهدتها: ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 2]، فالناس في هذا اليوم منهم من هو ناجٍ من هذا الهول، وعليه فليَحمَد الله تعالى، جعلني الله وإيَّاكم من الناجين! ومنهم مَن هو واقع عليه هذا العذاب، فلا يلومنَّ إلا نفْسَه، وهم مَن ذكَرهم الله تعالى بقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾ [الحج: 3].
عباد الله، إن مما اتَّبع الناسُ فيه الشيطانَ في هذا الزمن: سماعَ الغناء والركون إليه، وتشجيعه، وتشجيع المغنين والمغنيات، والمستمعين لهم والمستمعات، ولآلات الطرب، كالعود وأنواع الموسيقا.
أيها الأخ المسلم:
إن سألت عن حُكْم الغناء بأي اسم سُمِّي، سواء بالغناء والفنون، فهو مُحرَّم عند جماهير العلماء؛ لنصِّ الكتاب والسُّنة؛ قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6]، قال بعضُ المفسِّرين: هذه الآية إحدى الآيات المُحرِّمة للغناء، والثانية قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 64]، وهذا أمر الله تعالى للشيطان، وصوت الشيطان هو: الغناء والمزمار.
والثالثة: في تهديد الكفار، وهي قوله تعالى: ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾ [النجم: 59 - 61]، وقال المفسِّرون: السُّمود: الغناء.
فأين واقع المسلمون اليوم من وصْف الله تعالى للكفار الذين يَضْحكون من الإسلام والمسلمين، ويستمرُّون في سُمودهم وغنائهم وطربهم ومُجُونهم بشتى أنواع فُنُونهم؟ قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - على قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6]: "لما ذكر حالَ السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله، وينتفعون بسماعه؛ كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23].
عطف بذِكْر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله تعالى، وأَقْبَلوا على استماعِ المزامير والغِناء بالألحان وآلات الطرب"، ثم ذكر أن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يَحلِف بأن اللهو هو: الغناء.
وإن سألت عن المال الذي يؤخذ عليه، فهو حرام، وعن أجرة الدار التي تُستأجَر لآلات اللهو، فهي حرام، وسئل العلماء عن الجارية المغنية تُباع بعشرين ألفًا، وإن لم تُغنِّ فبألفين، فقالوا: تُباع بألفين، ولم يعتبروا الزيادةَ التي هي من أجل الغناء ثمنًا.
فما بالك بالأشرطة والآلات والمعدات كذلك؟ وما بالك بمن أعدَّ نفسَه للغناء والرقص؛ ليأخذ على ذلك مالاً، وكفى وصْف العلماء له بأنه فاسق، وأنه غير عدْل، وغير ثِقَة.
فاتقوا الله تعالى أيها المسلمون، والتَزِموا بآداب دِينكم، وتوجيهات نبيكم صلى الله عليه وسلم، واحذَروا الشيطانَ ووساوسَه، ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ [الأنعام: 70].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.