نسمع كثيرا المجسمة يقولون ساق ليست كساقنا وملل ليس كمللنا ويد ليست كأيدينا ويقصد الجارحة فيقول للفيل يد وللقطة يد فهل يد الفيل كيد القطة والعياذ بالله من المشبهة المجسمة. وقد قال أحدالمجسمة في عصرنا فسبحان رب العرش الذي جلس على العرش والعياذ بالله فنقول لهذا التافه تقول سبحان أي تنزه ثم تقول جلس!! فهذا يدل على غبائك وحمقك.
وللرد على هؤلاء المجسمة سوف نسرد بعض الأقوال التي تدل على أنه لا بد من التأويل كما اول بعض السلف الصالح او تفويض المعنى لله تعالى كما فعل السلف الصالح مع إعتقاد ان الله تعالى لا يشبه شيئا من خلقه وتنزيهه تعالى عن المكان. سنبدا أولا بإثبات جواز التاويل فنقول لهؤلاء المجسمة ماذا تقولون في قوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وقوله تعالى حكاية عن سيدنا عيسى {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} هنا لو قال الوهابية أن لله نفسا لجعلوا الله يموت والعياذ بالله ولا بد لهم من تأويلها. أما الآية الآية الكريمة {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} فقال المفسرون أي تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك وقيل المعنى تعلم ما لا أعلم ولا أعلم ما تعلم. وليس المعنى أن الله له نفس بمعنى الروح بل الله هو خالق الروح وخالق الجسد، الله ليس روحًا وجسدًا ولا هو روحٌ فقط ولا هو جسدٌ فقط ولا هو جسدٌ بلا روح.
ثم نقول لهم ماذا تقولون في قوله تعالى {نسوا الله فنسيهم} وقوله تعالى {إنا نسيناكم} فهل تدعون أنه نسيان لا كنسياننا والله تعالى يقول {وما كان ربك نسيا} فهل تأولون أم ماذا يا وهابية؟؟؟؟؟ وجاء في صحيح مسلم عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول "يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين، قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ...". فهل يا مجسمة يجوز لنا أن نقول نثبت لله صفة المرض ولكن ليس كمرضنا ؟؟؟ وهل يجوز أن نعتقد أن العبد إذا مرض مرض الله تعالى أيضا وكان عند المريض على ظاهره وحقيقته ؟؟؟؟ تقدس ربي وتنزه، وأما هذا الحديث فمعناه كما قال الامام الحافظ النووي في شرح صحيح مسلم "قال العلماء إنما أضاف المرض إليه سبحانه وتعالى والمراد العبد، تشريفا للعبد وتقريبا له، قالوا: ومعنى وجدتني عنده أي وجدت ثوابي وكرامتي".
وعلى هذه القاعدة الواضحة للتأويل سار عليها الصحابة والتابعون وأتباعهم وأئمة الاجتهاد والحفاظ المحدثون وسوف ننقل لكم بعض تأويلاتهم حتى يزداد القلب طمأنينة وانشراحا فنقول ممن أول سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "اللهم علمه الكتاب" فقد نقلت عنه تأويلات كثيرة فيما يتعلق بمسألة الصفات بأسانيد صحيحة نذكر بعضها مع ذكر تأويلات بعض أئمة أهل السنة الأعلام.
أول ابن عباس قوله تعالى {يوم يكشف عن ساق} فقال "يكشف عن شدة" فأول الساق بالشدة. ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13 / 428) والحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره (29 / 38) حيث قال في صدر كلامه على هذه الآية "قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل يبدو عن أمر شديد". ومنه يتضح أن التأويل كان عند الصحابة والتابعين وهم سلفنا الصالح.
أول ابن عباس رضي الله عنه أيضا قوله تعالى {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} قال "بقوة" كما في تفسير الحافظ ابن جرير الطبري (7 / 27).
أول ابن عباس النسيان الوارد في قوله تعالى {فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا} بالترك ، حيث قال ابن جرير "أي ففي هذا اليوم، وذلك يوم القيامة ننساهم، يقول نتركهم في العذاب". كما في تفسير الحافظ الطبري مجلد 5 / جزء 8 / ص 201.
أول ابن عباس رضي الله عنهما للكرسي بالعلم فقد جاء في تفسير الطبري (3 / 7) عند تفسيره لآية الكرسي ما نصّه "اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السموات والأرض، فقال بعضهم: هو علم الله تعالى ذكره.. وأما الذي يدُلُّ على ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير أنه قال: هو علمه".
أول ابن عباس رضي الله عنهما للفظ المجيء فقد جاء في تفسير النسفي رحمه الله تعالى (4 / 378) عند قوله تعالى {وجاء ربكوالمَلَك صفّاً صفَّا} ما نصّه "هذا تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه، فإن واحداً من الملوك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور عساكره وخواصّه، وعن ابن عباس: أمره وقضاؤه".
أول ابن عباس رضي الله عنهما للفظ الأعين في قوله تعالى {واصنع الفلك بأعيننا} قال رضي الله عنه "بمرأى منا" تفسير البغوي 2 / 322. وقال تعالى {واصبر لحكم ربك فإنّك بأعيننا} قال رضي الله عنه "نرى ما يعمل بك" تفسير الخازن 4 / 190.
أول ابن عباس رضي الله عنهما للفظ الأيد في قوله تعالى قال تعالى {والسماء بنيناها بأييد} قال رضي الله عنه "بقوّة وقدرة" القرطبي17 / 52.
أول ابن عباس رضي الله عنه لقوله تعالى {الله نور السموات والأرض} فقد جاء في تفسير الطبري (18/135) ما نصّه "عن ابن عباس قوله {الله نور السموات والأرض} يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض".
أول ابن عباس رضي الله عنهما للفظ الوجه في قوله تعالى {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} قال رضي الله عنه "الوجه عبارة عنه". وقال القرطبي في تفسيره" 17 / 165 أي ويبقى الله فالوجه عبارة عن وجوده وذاته سبحانه.. وهذا الذي ارتضاه المحققون من علمائنا ابن فورك وأبو المعالي وغيرهم.. وقال أبو المعالي: وأما الوجه المراد به عند معظم أئمتنا وجود الباري تعالى.
أول ابن عباس رضي الله عنهما للفظ الجنب في قوله تعالى {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب الله} قال رضي الله عنه "تركت من طاعة الله وأمرالله وثوابه" روح المعاني الآية 56 من الزمر.
روى الحافظ البيهقي في كتابه مناقب الامام أحمد وهو كتاب مخطوط ومنه نقل ابن كثير في البداية والنهاية (10 / 327) فقال "روى البيهقي عن الحاكم عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعالى {وجاء ربك} أنه : جاء ثوابه. ثم قال البيهقي : وهذا إسناد لا غبار عليه".
روى الخلال بسنده عن حنبل عن عمه الامام أحمد بن حنبل أنه سمعه يقول "احتجوا علي يوم المناظرة، فقالوا : تجئ يوم القيامة سورة البقرة . . . ." الحديث، قال : فقلت لهم "إنما هو الثواب". فتأمل في هذا التأويل الصريح.
ونقل الحافظ ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى عن الإمام أحمد في قوله تعالى {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} أنه قال "المراد به قدرته وأمره". قال "وقد بيّنه في قوله تعالى {أو يأتى أمر ربك} ومثل هذا في القرآن {وجاء ربك} قال: إنما هو قدرته". (دفع شبه التشبيه ص/ 141.
تأويل الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه لحديث النزول فقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن نزول الرب عزّ وجلّ، فقال "ينزل أمره تعالى كل سَحَر، فأما هو عزّوجلّ فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل سبحانه لا إله إلى هو" التمهيد 7 / 143، سير أعلام النبلاء8 / 105 ، الرسالة الوافية لأبي عمرو الداني ص/136، شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 37، الإنصاف لابن السيد البطليوسي ص / 82.
تأويل الإمام الشافعي رضي الله عنه للفظ الوجه فقد حكى المزني عن الشافعي في قوله تعالى {فثم وجه الله} قال "يعني والله أعلم فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه". الأسماء والصفات للبيهقي ص / 309.
أوّل سفيان الثوري الاستواء على العرش، بقصد أمره، والاستواء إلى السماء، بالقصد إليها. مرقاة المفاتيح 2 / 137.
تأويل سفيان الثوري وابن جرير الطبري للاستواء فقد قال الإمام الطبري (1 / 192) في تفسير قوله تعالى {ثم استوي إلى السماء} بعد أن ذكر معاني الاستواء في اللغة، ما نصّه "علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته....علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال".
تأويل الضحاك وقتادة وسعيد بن جبير للفظ الساق فقد جاء في تفسير الطبري 29 / 38 – 39 عند قوله تعالى {يوم يكشف عن ساق} قال الضحاك "هو أمر شديد"، وقال قتادة "أمر فظيع وشدّة الأمر"، وقال سعيد "شدة الأمر". وقال الإمام الطبري قبل هذا بأسطر "قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد".
تأويل مجاهد والضحاك وأبي عبيدة للفظ الوجه في قوله تعالى {فأينما تولُّوا فثم وجه الله} قال مجاهد رحمه الله "قبلة الله". الطبري 1 / 402، الأسماء والصفات للبيهقي ص/309.
وقال الضحاك وأبو عبيدة في قوله تعالى {كلُّ شـئ هالك إلا وجهه} أي إلا هو. دفع شبه التشبيه ص / 113.
تأويل الإمام الطبري للفظ العين فقد قال رحمه الله في تفسير 16 / 132 قوله تعالى {ولتصنع على عيني} بمرأى مني ومحبة وإرادة.
تأويل الحسن البصري رضي الله عنه لقوله تعالى {وجاء ربك} جاء أمره وقضاؤه. تفسير البغوي 4 / 454. ونقل الإمام القرطبي في تفسيره القرطبي 20 / 55 نحو هذا عن الحسن البصري، وقال هناك نقلاً عن بعض الأئمة ما نصّه "جعل مجيء الآيات مجيئاً له تفخيماً لشأن تلك الآيات، ومنه قوله تعالى في الحديث "يا ابن آدم مرضت فلم تعدني.. واستسقيتك فلم تسقني.. واستطعمتكفلم تطعمني ".. والله جلّ ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنّى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشيء فوْتَ الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز".
تأويل الإمام البخاري رضي الله عنه للضحك فقد قال الإمام البيهقي رحمه الله تعالىفي كتاب الأسمـاء والصفـات ص / 470 باب ما جاء في الضحك.. "عن أبي هريرة أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة..." قال: قال البخاري معنى الضحك الرحمة. قال أبو سليمان – يعني الخطابي - قول أبي عبد الله قريب، وتأويله على معنى الرضى لفعلهما أقرب وأشبه، ومعلوم أن الضحك من ذوي التمييز يدلُّ على الرضى، والبشر والاستهلال منهم دليل قبول الوسيلة، ومقدّمة إنجاح الطَّلِبة، والكرام يوصفون عند المسألة بالبشر وحسن اللقاء، فيكون المعنى في قوله " يضحك الله إلى رجلين " أي يُجزل العطاء لهما لأنه موجَب الضحك ومقتضاه" اهـ. قال الحافظ ابن حجر فتح الباري 6 / 486 مؤكداً مؤيداً لما ذهب إليه أبو سليمان الخطابي والأعلام المنزهون العارفون بالله تعالى "قلت ويدلّ على أن المراد بالضحك الإقبال بالرضا تعديته بـ "إلى"، تقول: ضحك فلان إلى فلان. إذا توجّه إليه طلْق الوجه مظهراً للرضا به".
تأويل الإمام البخاري للفظ الوجه فقد قال الإمام البخاري رحمه الله في تفسير قوله تعالى {كلّ شئ هالك إلا وجهه} إلا ملكه، ويقال: إلا ماأريد به وجـه الله. الصحيح كتاب التفسير سـورة القصص، فتح البـاري 364/8.
وقد نقلُ إجماع الأمة على منهج التأويل حيث قال الحافظ أبو الحسن علي بن القطان الفاسي رحمه الله تعالى الإقناع في مسائل الإجماع 1 / 32 – 33 "وأجمعوا أنه تعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المؤمنين ويعذب منهم من يشاء، كما قال تعالى، وليس مجيئه بحركة ولا انتقال. وأجمعوا أنه تعالى يرضى عن الطائعين له، وأن رضاه عنهم إرادته نعيمهم. وأجمعوا أنه يحب التوابين ويسخط على الكافريـن وي
عليهم، وأن
ه إرادته لعذابهم، وأنه لا يقوم ل
ه شيء" اهـ
والله أعلم وأحكم