قال العلامةُ حُجةُ الإسلامِ أبو جعفرٍ الوراقُ الطحاويُّ بمصرَ رحمهُ الله: هذا ذِكرُ بيانِ عقيدةِ أهلِ السنّةِ والجماعةِ على مذهبِ فُقهاءِ المِلّةِ: أبي حنيفةَ النعمانِ ابنِ ثابتٍ الكوفيّ، وأبي يوسفَ يعقوبَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريّ، وأبي عبدِ الله محمدِ ابنِ الحسنِ الشيْبانيّ، رِضوانُ اللهِ عليهم أجمعينَ، وما يعتقدونَ من أصولِ الدينِ، ويَدينون بهِ لربِّ العالمين. نقول في توحيدِ اللهِ معتقدينَ بتوفيق الله:
إنَّ اللهَ واحدٌ لا شريكَ له. ولا شىءَ مثلُه، ولا شىءَ يعجزُه، ولا إلهَ غيرُه. قديمٌ بلاَ ابتداءٍ، دائمٌ بلا انتهاءٍ، لا يَفنى ولا يَبيد، ولاَ يكونُ [شىءٌ من العالم] إلا ما يريد. لا تبلغُه الأوهامُ ولا تدركُه الأفهامُ، ولا يشبهُ الأنامَ، حيٌّ لا يموت، قيومٌ لا ينامُ، خالقٌ بلا حاجةٍ، رازِقٌ بلاَ مؤْنَةٍ، مُميتٌ بلاَ مخافةٍ، باعثٌ بلاَ مشقّةٍ. ما زالَ بصفاتِه قديمًا قبلَ خلقِه، لم يزدَدْ بكونِهم شيئًا لم يكن قبلَهُم منْ صفتِه.
وكَمَا كان بصفاتِه أزليًّا، كذلك لا يزالُ عليها أبديًّا، ليس بعد خلْقِ الخلْقِ استفادَ اسمَ الخالق، ولاَ بإحداثِه البَريةَ استفادَ اسمَ البارىءِ. له معنى الربوبيةِ ولا مربوبَ، ومعنى الخالقِ ولاَ مخلوقَ. وكما أنه مُحيي الموتى بعدما أحيا، استحقَّ هذا الاسمَ قبلَ إحيائِهم كذلكَ استحقَّ اسمَ الخالقِ قبلَ إنشائِهم. ذلك بأنهُ على كلِّ شىءٍ قديرٌ، وكلُّ شىءٍ إليه فقيرٌ، وكلُّ أمرٍ عليه يسيرٌ، لا يحتاجُ إلى شىءٍ، {ليس كمثله شىءٌ وهو السميع البصير} خلَق الخلقَ بعِلمِه، وقدّر لهم أقدارًا، وضرَب لهُم ءاجالاً، ولم يخْفَ عليهِ شىءٌ قبل أن يخلُقَهم، وعلِم ما هُم عاملونَ قبلَ أن يخلُقَهم، وأمرَهم بطاعته ونهاهُم عن معصيتِه.
وكلُّ شىءٍ يجري بتقديرِه، ومشيئتِه، ومشيئتُه تنفُذُ لا مشيئةَ للعبادِ إلاَّ ما شاءَ لهم، فمَا شاءَ لهم كانَ، وما لم يشأ لم يكُن. يهدي من يشاءُ، ويعصِمُ ويعافي فضلاً، ويُضِلُّ من يشاءُ، ويخذُلُ ويبتلي عدلاً. وكُلُّهم يتقلَّبونَ في مشيئتِه بين فضلِه وعدلِه، وهو مُتعالٍ عن الأضدادِ والأندادِ، لا رادَّ لقضائِه، ولا معقِّبَ لحكمِه، ولا غالبَ لأمرهِ. ءامنَّا بذلكَ كلِّه، وأيقنَّا أنَّ كُلاًّ من عندِه. وأنَّ محمدًا صلى اللهُ عليهِ وسلم عبدُه المصطفى، ونبيُّه المجتبى، ورسولُه المرتضى، وإنَّهُ خاتمُ الأنبياءِ، وإمامُ الأتقياء، وسيدُ المرسلينَ، وحبيبُ ربّ العالمينَ، وكلُّ دعوة نبوةٍ بعدَ نبوتِه فغيٌّ وهوى.
وهوَ المبعوثُ إلى عامةِ الجن وكافةِ الورى بالحقّ والهدى وبالنورِ والضياء. وإنَّ القرءانَ كلامُ الله، منه بدَا بِلا كيفيةٍ قولاً، وأنزلَه على رسولِه وحيًا، وصدَّقه المؤمنونَ على ذلك حقًّا، وأيقنوا أنهُ كلامُ اللهِ تعالى بالحقيقةِ ليس بمخلوقٍ ككلام البَرِيَّة، فمنْ سمِعَه فزعم أنه كلامُ البشر فقد كفر، وقد ذمَّه اللهُ وعابَهُ وأوعدَه بسقَر حيثُ قالَ تعالى {سأُصليه سقر}، فلما أوعدً اللهُ بسقر لمن قال {إنْ هذا إلا قولُ البشر}، علِمنا وأيقنا أنهُ قولُ خالقِ البشر، ولا يُشبه قولَ البشر، ومنْ وصف اللهَ بمعنى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصرَ هذا اعتبر، وعن مِثل قولِ الكفار انزجرَ، وعلِم أنه بصفاتِه ليس كالبشر.
والرؤيةُ حق لأهلِ الجنة، بغيرِ إحاطةٍ ولا كيفيَّةٍ، كما نطقَ به كتابُ ربّنا {وجوهٌ يومئذ ناضرة * إلى ربّها ناظرة} وتفسيره على ما أراده اللهُ تعالى وعَلِمَه، وكلُّ ما جاء في ذلك منَ الحديث الصحيحِ عن الرسول صلى اللهُ عليهِ وسلم فهو كمَا قال ومعناهُ على ما أرادَ، لا ندخلُ في ذلك متأوّلينَ بآرائِنا ولا متوهّمين بأهوائِنا، فإنَّه ما سلِم في دينه إلاَّ من سلَّم للهِ عزَّ وجلَّ ولرسولِه صلى اللهُ عليهِ وسلم وردَّ عِلمَ ما اشتَبَه عليه إلى عالِمه. ولا تثبتُ قدَمٌ في الإسلام إلا على ظَهر التسليمِ والاستسلامِ، فمنْ رامَ علمَ ما حُظِر عنه علمُه، ولم يقنع بالتسليم فهمُه، حجبَه مرامُه عن خالصِ التوحيد، وصافي المعرفةِ، وصحيح الإيمان، فيتذبذبُ بين الكفرِ والإيمانِ والتصديقِ والتكذيب، والإقرارِ والإنكارِ، موسوَسًا تائِهًا شاكًّا، لا مؤمنًا مصدّقًا، ولا جاحدًا مكذبًا.
ولا يصحُّ الإيمانُ بالرؤيةِ لأهل دارِ السلامِ لمن اعتبرَها منهم بوهْم أو تأوَّلها بفهمٍ إذ كانَ تأويلُ الرؤية وتأويلُ كلّ معنى يضافُ إلى الربوبيةِ بتركِ التأويلِ ولزُومِ التسليم، وعليهِ دينُ المسلمينَ. ومن لم يتوقَ النفيَ والتشبيهَ زلَّ ولم يصبِ التنزيهَ. فإنَّ ربّنا جلَّ وعلا موصوفٌ بصفات الوَحدانية، منعوتٌ بنُعُوتِ الفَرْدانية، ليس في معناهُ أحدٌ من البَرِيَّة. وتعالى عن الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدوات، لا تحويهِ الجهاتُ الستُّ كسائرِ المبتدعات.
والمعراجُ حقٌّ، وقد أُسري بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وعُرِجَ بشخصهِ في اليَقظةِ إلى السماءِ ثمَّ إلى حيثُ شاءَ اللهُ من العُلى، وأكرمَه اللهُ بما شاء، وأوحى إليهِ ما أوحى، { ما كذَب الفؤادُ ما رأى }،فصلى اللهُ عليه وسلمَ في الآخرةِ والأولى. والحوضُ الذي أكرمَه الله تعالى بهِ غياثًا لأمّته حقٌّ، والشفاعةُ التي ادَّخرها لهم حقٌّ، كما رُوي في الأخبارِ، والميثاقُ الذي أخذَه اللهُ تعالى من ءادمَ وذريتِه حقٌّ.
وقدْ علِمَ اللهُ تعالى فيما لم يزلْ عددَ منْ يدخلُ الجنةَ وعددَ من يدخل النارَ جملةً واحدة، فلا يُزادُ في ذلكَ العددِ ولا يُنقص منهُ. وكذلكَ أفعالُهم فيما علِم منهُم أن يفعلُوه، وكلٌّ ميسَّرٌ لِمَا خُلق له، والأعمالُ بالخواتيم، والسعيدُ من سعِد بقضاءِ الله تعالى، والشقيُّ من شقِي بقضاءِ الله تعالى.
وأصلُ القدَرِ سرُّ اللهِ تعالى في خلقِه، لم يطَّلعْ على ذلكَ ملَكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسلٌ. والتعمقُ والنظرُ في ذلك ذريعةُ الخِذلانِ وسُلَّمُ الحِرمان ودرجةُ الطغيانِ، فالحذرَ كلَّ الحذرِ من ذلكَ نظرًا وفكرًا ووسوسةً، فإنَّ اللهَ تعالى طوى علمَ القدرِ عن أنامِه ونهاهُم عن مرامِه كما قالَ تعالى في كتابه: { لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون }، فمن سأل: لم فعلَ؟ فقد ردَّ حُكمَ الكتابِ، ومنْ ردَّ حكمَ الكتابِ كان من الكافرينَ.
فهذهِ جملةُ ما يحتاجُ إليه من هو منوَّرٌ قلبُه من أولياءِ اللهِ تعالى، وهي درجةُ الراسخينَ في العلمِ، لأنَّ العلمَ علمانِ: علمٌ في الخلقِ موجودٌ، وعلمٌ في الخلقِ مفقود، فإنكارُ العلمِ الموجودِ كفرٌ، وادعاءُ العلمِ المفقودِ كفر. ولا يثبتُ الإيمانٌ إلا بقَبولِ العلمِ الموجودِ، وتركِ طلبِ العلمِ المفقودِ. ونؤمنُ باللوح والقلم وبجميعِ ما فيه قد رُقِمَ. فلو اجتمع الخلقُ كلُّهم على شىءٍ كتبَه اللهُ تعالى فيه أنهُ كائن ليجعلوهُ غيرَ كائن لم يقدروا عليه. ولو اجتمعوا كلُّهم على شىء لم يكتُبْه الله تعالى فيهِ ليجعلوهُ كائنًا لم يقدروا عليهِ.
جفَّ القلمُ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، وما أخطأَ العبدَ لم يكنْ ليُصيبَه، وما أصابَه لم يكن ليُخطئَه. وعلى العبدِ أن يعلم أن اللهَ قد سبق علمُه في كل كائنٍ من خلقه، فقدَّرَ ذلك تقديرًا محكمًا مبرمًا ليس فيه ناقضٌ ولا معقّبٌ ولا مزيلٌ ولا مغيّرٌ ولا محوّلٌ ولا ناقصٌ ولا زائدٌ من خلقِه في سماواتِه وأرضِه، وذلك من عَقْدِ الإيمانِ وأصولِ المعرفةِ والاعترافِ بتوحيدِ اللهِ تعالى وربوبيّتِه، كما قالَ تعالى في كتابه {وخلق كلَّ شىء فقدره تقديرًا}، وقال تعالى {وكان أمرُ الله قدَرًا مقدورًا}.
فويل لمن صارَ للهِ تعالى في القدَر خصيمًا، وأحضر للنظرِ فيه قلبًا سقيمًا، لقد التمَس بوهمِه في فحصِ الغيبِ سرًّا كتيمًا، وعاد بما قالَ فيه أفاكًا أثيمًا. والعرشُ والكرسيُّ حقٌّ، وهو مستغنٍ عن العرشِ وما دونَه، محيطٌ بكلّ شىء وفوقَه، وقد أعجزَ عن الإحاطةِ خلقه، ونقولُ: إنَّ اللهَ اتخذ إبراهيمَ خليلاً، وكلَّمَ اللهُ موسى تكليمًا إيمانًا وتصديقًا وتسليمًا، ونؤمنُ بالملائكةِ والنبيينَ، والكتبِ المنزَّلة على المرسلينَ، ونشهدُ أنهم كانوا على الحقّ المبينِ.
ونسمي أهلَ قِبلتِنا مسلمين مؤمنينَ، ما داموا بما جاءَ به النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم معترفينَ، ولهُ بكلّ ما قالَه وأخبرَ مصدّقينَ غيرَ منكِرين. ولا نخوضُ في الله ولا نماري في دينِ الله. ولا نجادلُ في القرءانِ، ونشهدُ أنه كلامُ ربّ العالمينَ، نزلَ به الروحُ الأمينُ، فعلَّمه سيدَ المرسلين محمدًا صلى الله عليهِ وسلم، وهو كلامُ اللهِ تعالى، لا يساويه شىءٌ من كلامِ المخلوقينَ، ولا نقولُ بخلْقِه، ولا نخالفُ جماعةَ المسلمينَ، ولا نكفّرُ أحدًا من أهلِ القبلة بذنبٍ ما لم يستحلَّه، ولا نقولُ لا يضرُّ مع الإيمانِ ذنبٌ لمن عمِلَه.
نرجو للمحسنينَ منَ المؤمنين أن يعفوَ عنهم ويدخِلَهم الجنةَ برحمتِه ولا نأمنُ عليهِم، ولا نَشهدُ لهم بالجنةِ، ونستغفرُ لمسيِئهم ونخافُ عليهم ولا نُقَنِّطُهُم. والأمنُ والإياسُ ينقلانِ عن ملةِ الإسلامِ، وسبيلُ الحق بينهما لأهلِ القبلة. ولا يخرجُ العبدُ من الإيمان إلا بجُحودِ ما أدخلَه فيه. والإيمانُ هو الإقرارُ باللسان والتصديقُ بالجَنَانِ. وجميعُ ما صحَّ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من الشرعِ والبيانِ كلُّه حقٌّ.
والإيمانُ واحدٌ، وأهلُه في أصلهِ سواءٌ والتفاضلُ بينهم بالخَشية والتُّقى ومخالفةِ الهوى وملازمةِ الأَوْلى. والمؤمنونَ كلُّهم أولياءُ الرحمن، وأكرَمُهم عند اللهِ أطوعُهم وأتْبعهم للقرءانِ. والإيمانُ هو الإيمانُ بالله، وملائكتِه، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقَدَر خيرِه وشره وحُلوِه ومُرّه منَ الله تعالى، ونحنُ مؤمنونَ بذلك كلّه لا نفرقُ بين أحد من رسلِه ونصدّقُهم كلُّهم على ما جاءوا بهِ.
وأهلُ الكبائرِ من أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم في النارِ لا يخلدونَ إذا ماتوا وهم موحِّدونَ وإن لم يكونوا تائبينَ بعد أن لقوا اللهَ عارفينَ مؤمنين، وهم في مشيئتِه وحُكمِه إن شاءَ غفرَ لهم وعفا عنهم بفضلِه، كما ذكر عز وجلَّ في كتابِه: { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }، وإن شاءَ عذَّبهم في النار بعدْلِه ثم يخرجُهم منها برحمتِه وشفاعةِ الشافعينَ من أهل طاعتِه ثم يبعثُهم إلى جنّتِه، وذلك بأنَّ اللهَ تعالى تولى أهلَ معرفتِه ولم يجعلْهم في الداريْن كأهلِ نُكْرَته الذين خابوا من هدايتِه ولم ينالوا من ولايتِه. اللهم يا وليَّ الإسلامِ وأهلِه ثبتنا على الإسلامِ حتى نلقاكَ به.
ونرى الصلاةَ خلفَ كل بَرّ وفاجرٍ من أهلِ القبلة، وعلى مَن ماتَ منهم. ولا ننزّلُ أحدًا منهم جنةً ولا نارًا، ولا نشهدُ عليهم بكفرٍ ولا بشركٍ ولا بنفاقٍ ما لم يظهر منهم شىءٌ من ذلك، ونَذَر سرائرَهم إلى اللهِ تعالى. ولا نرى السيفَ على أحدٍ من أمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلا من وجَبَ عليهِ السيفُ. ولا نرى الخروجَ على أئمّتنا ووُلاةِ أمورِنا وإن جارُوا، ولا ندعو عليهِم، ولا ننزعُ يدًا من طاعتِهم، ونرى طاعتَهم من طاعةِ الله عز وجل فريضةً ما لم يأمروا بمعصية. وندعو لهم بالصلاحِ والمعافاةِ، ونتّبعُ السنَّةَ والجماعةَ، ونجتنبُ الشذوذَ والخِلاف والفُرقة، ونحبُ أهلَ العدلِ والأمانةِ ونبغضُ أهل الجَوْر والخيانةِ.
ونقولُ اللهُ أعلم فيمَ اشتَبَهَ علينا علمُه. ونرى المسحَ على الخفينِ في السفرِ والحَضَرِ كما جاء في الأثر. والحجُّ والجهادُ ماضيانِ مع أولي الأمر من المسلمينَ بَرّهم وفاجرِهم إلى قيام الساعة لا يبطلهما شىءٌ ولا ينقضهما. ونؤمنُ بالكرامِ الكاتبين، فإنَّ الله قد جعلهم علينا حافظينَ، ونؤمن بملكِ الموت الموكلِ بقبض أرواحِ العالمين، وبعذابِ القبر لمن كان لهُ أهلاً، وسؤالِ منكرٍ ونكير في قبرِه عن ربه ودينِه ونبيه على ما جاءتْ به الأخبارُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وعنِ الصحابة رضوانُ اللهِ عليهم، والقبر روضةٌ من رياض الجنةِ أو حفرةٌ من حفرِ النيران.
ونؤمنُ بالبعثِ وجزاءِ الأعمالِ يومَ القيامة والعرْضِ والحسابِ وقراءةِ الكتاب والثوابِ والعقابِ والصراطِ والميزانِ. والجنةُ والنارُ مخلوقتان لا تفنيانِ أبدًا ولا تَبيدان، وأن اللهَ تعالى خلقَ الجنةَ والنارَ قبل الخلق وخلقَ لهما أهلاً، فمن شاءَ منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النارِ عدلاً منه، وكلٌّ يعمل لمَا قد فَرِغَ له وصائِرٌ الى ما خُلِق له. والخيرُ والشرُّ مقدرانِ على العباد. والاستطاعةُ التي يجبُ بها الفعلُ من نحو التوفيقِ الذي لا يجوزُ أن يوصفَ المخلوق بهُ فهي معَ الفعل، وأما الاستطاعةُ من جهةِ الصحةِ والوِسعِ والتمكُّنِ وسلامةِ الآلاتِ فهي قبل الفعل، وبها يتعلقُ الخطابُ، وهي كما قالَ تعالى: { لا يكلف الله نفسًا إلا وُسْعها }. وأفعالُ العبادِ خلقُ الله وكسبٌ من العبادِ.
ولم يكلّفْهُمُ اللهُ تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقونَ إلا ما كلَّفهم، وهو تفسير "لا حول ولا قوة إلا بالله" نقول: لا حيلةَ لأحدٍ ولا حركةَ لأحدٍ ولا تحوُّلَ لأحد عن معصيةِ الله إلا بمعونةِ الله، ولا قوةَ لأحدٍ على إقامةِ طاعةِ الله والثباتِ عليها إلا بتوفيقِ اللهِ. وكلُّ شىء يجري بمشيئةِ اللهِ تعالى وعلمِه وقضائِه وقدَرِه. غلبت مشيئتُه المشيئاتِ كلَّها، وغلب قضاؤُه الحيلَ كلَّها. يفعلُ ما يشاءُ وهو غيرُ ظالم أبدًا، تقدَّسَ عن كلّ سُوءٍ وحَينٍ، وتنزَّه عن كلّ عيبٍ وشَينٍ {لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون}. وفي دعاءِ الأحياء وصدقاتِهم منفعةٌ للأموات، واللهُ تعالى يستجيبُ الدعواتِ ويقضي الحاجاتِ، ويملِكُ كلَّ شىء ولا يملكُه شىء، ولا غِنى عن اللهِ تعالى طرفةَ عين، ومن [زعم أنه] استغنى عن اللهِ طرفةَ عين فقد كفَر وصارَ من أهلِ الحَيْن. واللهُ ي
ُ ويرضى لا كأحدٍ من الورى.
ونحبُ أصحابَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولا نُفْرِطُ في حبّ أحدٍ منهم، ولا نتبرأُ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكُرُهم، ولا نذكرُهم إلا بخير وحبُّهم دين وإيمانٌ وإحسان وبغضُهم كفر ونفاقٌ وطغيان. ونثبتُ الخلافةَ بعد رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلم أولاً لأبي بكر الصديقِ رضي الله عنه، تفضيلاً له وتقديمًا على جميع الأمة. ثم لعمرَ بن الخطابِ رضي الله عنه، ثم لعثمانَ بن عفان رضي الله عنه، ثم لعليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنهُ وهمُ الخلفاء الراشدون والأئمةُ المهتدون. وإن العشرةَ الذين سماهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وبشرَّهم بالجنة، نشهد لهم بالجنة على ما شهِد لهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقولُه الحقُّ، وهم: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبيرُ ، وسعدٌ ، وسعيدٌ ، وعبدُ الرحمن بنُ عوفٍ ، وأبو عبيدةَ بن الجرَّاح ، وهو أمينُ هذهِ الأمة رضي اللهُ عنهم أجمعين.
ومن أحسنَ القولَ في أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأزواجِه الطاهراتِ من كل دنَسٍ وذرياتِه المقدسينَ من كلّ رجسٍ فقد برئَ منَ النفاقِ. وعلماءُ السلف من السابقينَ ومنَ بعدَهم من التابعينَ أهلُ الخير والأثرَ، وأهلُ الفقهِ والنظرِ، لا يُذكرونَ إلا بالجميلِ ومن ذكرهُم بسوءٍ فهو على غيرِ السبيل. ولا نفضّل أحدًا من الأولياءِ على أحدٍ من الأنبياءِ عليهم السلام، ونقول نبيٌّ واحدٌ أفضلُ من جميع الأولياء.
نؤمنُ بما جاءَ من كراماتِهم، وصحّ عن الثقات من رواياتهم، ونؤمنُ بأشراطِ الساعة من خروجِ الدجالِ، ونزولِ عيسى ابنِ مريمَ عليه السلام من السماء، ونؤمنُ بطلوع الشمسِ من مغربِها، وخروجِ دابةِ الأرض من موضعها. ولا نصدّقُ كاهنًا ولا عرافًا ولا من يدعي شيئًا يخالفُ الكتابَ والسنَّةَ وإجماعَ الأمة. ونرى الجماعةَ حقَّا وصوابًا، والفرقةَ زيغًا وعذابًا. ودينُ الله في الأرضِ والسماء واحدٌ وهو دينُ الإسلام، قال الله تعالى {إن الدينَ عند الله الإسلام}. وقال تعالى {ورضيتُ لكم الإسلامَ دينًا}. وهو بين الغلوِ والتقصيرِ، وبين التشبيهِ والتعطيل، وبين الجبرِ والقدَر، وبين الأمْن والإياسِ. فهذا دينُنا واعتقادُنا ظاهرًا وباطنًا، ونحن برءاءُ إلى اللهِ من كلّ من خالف الذي ذكرناهُ وبيناه.
ونسألُ اللهَ تعالى أن يثبّتنا على الإيمانِ ويختمَ لنا به، ويعصمَنا من الأهواءِ المختلِفة والآراءِ المتفرقةِ والمذاهبِ الرديَّةِ مثلِ المشبهةِ والمعتزلةِ والجهميةِ والجبريةِ والقَدَريةِ، وغيرِهم من الذين خالفوا السنةَ والجماعة، وحالفوا الضلالةَ، ونحن منهم براءٌ وهم عندنا ضُلاَّلٌ وأردياء. وباللهِ العصمةُ والتوفيق.