فظ (الغيب) في أصل اللغة يدل على تستر الشيء عن العيون، ثم يقاس عليه. من ذلك الغيب: ما غاب مما لا يعلمه إلا الله. ويقال: غابت الشمس تغيب غيبة وغيوبا وغيبا. وغاب الرجل عن بلده. وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب عنها زوجها، وفي الحديث: (لا تدخلوا على المغيبات) رواه الدارمي. ووقعنا في غيبة وغيابة، أي: هبطة من الأرض يغاب فيها. قال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: “وألقوه في غيابة الجب” (يوسف: 10). والغابة: الأجمة، والجمع غابات وغاب. سميت بذلك، لأنه يغاب فيها. والغِيبة: الوقيعة في الناس مأخوذة من هذا، لأنها لا تقال إلا في غَيبة المُستغاب. ولفظ (الغيب) ورد في القرآن الكريم في ستين موضعا، جاء في جميعها بصيغة الاسم سوى موضع واحد جاء بصيغة الفعل، وهو قوله تعالى: “ولا يغتب بعضكم بعضا” (الحجرات: 12)، ومن الآيات التي ورد فيها بصيغة الاسم قوله تعالى: “الذين يؤمنون بالغيب” (البقرة: 3). وكثيرا ما يقترن لفظ (الغيب) في القرآن الكريم بلفظ الشهادة، نحو قوله سبحانه: “عالم الغيب والشهادة” (الأنعام: 73). وجاء لفظ (الغيب) في القرآن الكريم بمعان مختلفة، حاصلها ما يلي: “الغيب” كل ما غيبه الله سبحانه عن عباده، وبه فُسر قوله عز وجل: “الذين يؤمنون بالغيب”، قال الطبري: آمنوا بالجنة والنار، والبعث بعد الموت، وبيوم القيامة، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وقيل: الغيب هنا: هو الله سبحانه، أي: يؤمنون بالله. وقيل: الغيب هنا: القرآن. وقيل: الغيب: القدر. قال ابن كثير: كل هذه الأقوال متقاربة في معنى واحد، لأن جميع هذه المذكورات من “الغيب” الذي يجب الإيمان به. ونظير هذا قوله عز وجل: “عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا” (الجن: 26). وأكثر ما ورد لفظ “الغيب” في القرآن الكريم على هذا المعنى. “الغيب” بمعنى الوحي والقرآن، من ذلك قوله سبحانه: “وما هو على الغيب بضنين” (التكوير: 24)، فـ “الغيب” هنا -كما قال المفسرون- هو: القرآن. قال قتادة: إن هذا القرآن غيب، فأعطاه الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فبذله، وعلمه، ودعا إليه، والله ما ظن به رسول الله صلى الله عليه وسلم. “الغيب” بمعنى حوادث القدر، من ذلك قوله عز وجل: “ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير” (الأعراف: 188)، أي: لو كنتُ أعلم ما هو كائن مما لم يكن بعد، لفعلت الكثير من الخير. ومن هذا القبيل قوله عز وجل: “وعنده مفاتح الغيب” (الأنعام: 59)، قال الطبري: فأخبر الله تعالى ذكره أن عنده علم كل شيء كان ويكون، وما هو كائن مما لم يكن بعد، وذلك هو “الغيب”. وفَسَّرَ مجاهد “الغيب” هنا، بـ: الموت. “الغيب” بمعنى عِلْم الغيب، وهذا غير قليل في القرآن، من ذلك قوله سبحانه: “أم عندهم الغيب فهم يكتبون” (الطور: 41)، قال الطبري: أم عندهم علم الغيب، فهم يكتبون ذلك للناس، فينبئونهم بما شاءوا، ويخبرونهم بما أرادوا. وقال ابن كثير: أي: ليس الأمر كذلك، فإنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله. ونحو هذا قوله عز وجل: “عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا” (الجن: 26)، قال ابن كثير: إنه يعلم الغيب والشهادة، وإنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا مما أطلعه تعالى عليه. “الغيب” بمعنى غيبة الزوج، وعلى هذا المعنى قوله سبحانه: “حافظات للغيب بما حفظ الله” (النساء: 34)، قال السدي وغيره: تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله. وقال الطبري: حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن، في فروجهن وأموالهم، وللواجب عليهن من حق الله في ذلك. ونظيره قوله عز وجل: “ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب” (يوسف: 52)، قال الطبري: لم أفعل معها فاحشة في حال غيبته عني. وإذا لم يكن منه ذلك بمغيبه، فهو في حال مشهده إياه أحرى أن يكون بعيدا من فعل فاحشة معها. “الغيب” بمعنى قعر البئر، وعليه قوله تعالى: “وألقوه في غيابة الجب” (يوسف: 10)، أي: ألقوه في قعر الجب، حيث يغيب خبره، ولا يُعلم أثره. ونظيره قوله عز من قائل: “وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب” (يوسف: 15). وليس غيرهما على هذا المعنى في القرآن. وفُسَّرَ بعضهم (الغيابة) في الآيتين بمعنى: الظلمة، أي: ظلمة البئر. والمعنى قريب، بل هو لازم المعنى الأول. “الغيب” بمعنى الظن، ومنه قوله تعالى: “ويقذفون بالغيب من مكان بعيد” (سبأ: 53)، قال ابن كثير: “بالغيب” بالظن. يعني أنهم يرجمون محمداً صلى الله عليه وسلم، وما أتاهم من كتاب الله بالظنون والأوهام، فيقول بعضهم: هو ساحر، وبعضهم شاعر، وغير ذلك. ونظيره قوله سبحانه: “سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب” (الكهف: 22)، أي: قذفا بالظن غير يقين علم. “الغيب” بمعنى كل ما غاب عن حواس الإنسان وعلمه، من ذلك قوله تعالى: “وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين” (النمل: 20)، يقول القرآن على لسان سليمان: أخطأه بصري، فلا أراه، وقد حضر، أم هو غائب فيما غاب من سائر أجناس الخلق، فلم يحضر. “الغيب” بمعنى ملازمة العذاب الكفار، وعلى هذا قوله عز من قائل: “وما هم عنها بغائبين” (الانفطار: 16)، قال ابن كثير: لا يغيبون عن العذاب ساعة واحدة، ولا يخفف عنهم من عذابها، ولا يجابون إلى ما يسألون من الموت أو الراحة، ولو يوماً واحداً. وارتأى الطبري أن المعنى هنا: وما هؤلاء الفجار من الجحيم بخارجين أبداً، فغائبين عنها، ولكنهم فيها مخلدون ماكثون، وكذلك الأبرار في النعيم، وذلك نحو قوله: “وما هم منها بمخرجين” (الحجر: 48). “الغيب” بمعنى أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وعلى هذا قوله تعالى: “وما كنا غائبين” (الأعراف: 7)، قال ابن كثير: يخبر تعالى عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا، من قليل وكثير، وجليل وحقير؛ لأنه تعالى شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يغفل عن شيء، بل هو “يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور” (فاطر: 19)، كما قال: “وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين” (الأنعام: 59). “الغيب” بمعنى أحداث يوم القيامة والآخرة، من ذلك قوله عز وجل: “الذين يخشون ربهم بالغيب” (الأنبياء: 49)، قال الطبري: يعني يخافون في الدنيا أن يعاقبهم في الآخرة إذا قدموا عليه بتضييعهم ما ألزمهم من فرائضه، فهم من خشيته، يحافظون على حدوده وفرائضه، وهم من الساعة التي تقوم فيها القيامة مشفقون، حذرون أن تقوم عليهم، فيردوا على ربهم قد فرطوا في الواجب عليهم لله، فيعاقبهم من العقوبة بما لا قِبَلَ لهم به. ونظيره قوله تعالى: “أطلع الغيب” (مريم: 78)، قال ابن كثير: أعلم ما له في الآخرة حتى حلف على ذلك. والمتأمل في مجمل المعاني التي ورد عليها لفظ “الغيب” في القرآن الكريم، يجد أنها تدور على معنى ما استأثر الله بعلمه، وحجب علمه عن عباده، وما جاء على غير هذا المعنى، فهو صادر منه، وراجع إليه.
جبل الرماة
جبل صغير يقع شمال المسجد النبوي على بعد نحو ثلاثة كيلو مترات منه. وهو الجبل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرماة أن يتمركزوا فيه في غزوة أحد، وكان عددهم خمسين رجلا، ليحموا ظهور المسلمين من تسلل المشركين. لكنهم خالفوا أمره ظنا منهم أن المعركة قد انتهت، فاستغل المشركون خلو الجبل من الرماة فحملوا على المسلمين فقتلوا منهم عددا كبيرا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
واسم جبل الرماة جبل عينين، لكن بعد حصول تلك الوقعة سمي بجبل الرماة.
وفي الصحيح عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: (جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد، وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير، فقال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير، فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، فهزموهم. قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن، قد بدت خلاخلهن وأسوقهن، رافعات ثيابهن، فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة، أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون، فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثن? عشر رجلا، فأصابوا منا سبعين) رواه البخاري.
أعطوا الطريق حقه
تهدف شريعتنا الغراء إلى الرقي بالمجتمع المسلم إلى معالي الأمور وسمو الأخلاق، وتنأى بأفراده عن كل خلق سيء أو عملٍ مشين، وتريد أن يكون المجتمع متآلفاً متحابًّا، تربط بين عناصره الأخوة والمودة، وبين يدينا توجيه نبوي يعالج ظاهرة اجتماعية مهمة، لو بقيت على وضعها لأفسدت المجتمع. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس بالطرقات)، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدث فيها، فقال: (إذ أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه)، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) متفق عليه، وفي رواية أبي هريرة عند أبي داود، فذكر الحديث وفيه: (وإرشاد السبيل).
شرح الحديث:
في حوار رائع له دلالاته بين نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه حول حقوق الطريق وآدابه، ينهى صلى الله عليه وسلم ويحذر بقوله: (إياكم والجلوس بالطرقات)، لأن الجلوس بها يعرّض للفتنة وإيذاء الآخرين والإطلاع على الأحوال الخاصة للناس، وضياع الأوقات بما لا فائدة منه، فيستوضح الصحابة رضوان الله عليهم: “ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدث فيها”، فيرشد ويوجه إلى الوضع السليم: (إذ أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه)، فيتساءلون: “وما حق الطريق؟”، فيأتي الجواب: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد السبيل)، فما أحوجنا إلى الامتثال لتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم وتنفيذ ما أمر به.
- الحق الأول: غض البصر، المراد بغضّ البصر كفه ومنعه من الاسترسال في التأمل والنظر، والأمر بغض البصر يشترك فيه الرجال والنساء على حد سواء، يقول الله تعالى: “قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّواْ مِن أَبصَارِهِم” (النور: 30)، وقال تعالى: “وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ” (النور: 31)، وذلك لأن إطلاق البصر يجلب عذاب القلب وألمه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “تعمد النظر يورث القلب علاقة يتعذب بها الإنسان، وإن قويت حتى صارت غراما وعشقا زاد العذاب الأليم، سواء قدر أنه قادر على المحبوب أو عاجز عنه، فإن كان عاجزا فهو في عذاب أليم من الحزن والهم والغم، وإن كان قادرا فهو في عذاب أليم من خوف فراقه ومن السعي في تأليفه وأسباب رضاه”، وأصل ذلك ومبدؤه من النظر، فلو أنه غض بصره لارتاحت نفسه وارتاح قلبه”. والشرع المطهر لم يغفل ما قد يقع من الناس دون قصد منهم، بل أمر من نظر إلى امرأة أجنبية دون قصد منه أن يصرف بصره عنها ولا يتمادى، قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ “فأمرني أن أصرف بصري” رواه مسلم، ومعنى نظر الفجأة كما ذكر الإمام النووي: “أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم”.
- الحق الثاني: كف الأذى، من حقوق الطريق كف الأذى وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم، سواء باللسان أو اليد أو الاعتداء بالنظر في بيوت الآخرين دون إذنهم، ويشمل النهي السباب والشتائم وأذية الناس في أعراضهم والاستهزاء والسخرية، وكذا اليد فإن أذيتها لا تنحصر في الضرب والقتل، بل تتعداها إلى الوشاية بالناس، والسعي للإضرار بهم. ويدخل في ذلك أيضا: كل ما يؤذي سالك الطريق ويضايقه، من إلقاء حجر قد يجرحه أو قاذورات تلوثه، أو تلوث ظل شجرة يستفيد الناس من ظلها أو يأكلون من ثمرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتّقوا اللَّعَّانَيْنِ: الذي يَتَخَلّى في طريق النّاسِ، أو في ظِلِّهم) رواه مسلم.
- الحق الثالث: رد السلام، من حقوق الطريق رد السلام، والسنة أن يسلم الماشي على القاعد، والراكب على الماشي، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير، ورد من يلقى عليهم السلام التحية فرض كفاية عليهم، فإذا كانوا أكثر من واحد، سواء كانوا في الطريق أو في غيرها، ورد بعضهم السلام على من سلم عليهم، سقط الواجب عن البعض الآخر، وإن كان واحدا تعين عليه رد السلام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ) متفق عليه، وفي رواية للبخاري: (يسلَّم الصغير على الكبير). ورد السلام حق من حقوق المسلم على أخيه، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز) متفق عليه، وقد قصّر في هذا الباب خلق كثيرون، واقتصر سلامهم على المعرفة، فمن عرفوه سلموا عليه أو ردوا عليه سلامه، ومن لم يعرفوه لم يعيروه اهتماماً، وهذا خلاف ما جاء به التوجيه النبوي.
- الحق الرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا باب عظيم الشأن والقدر، به كانت أمتنا خير الأمم، قال تعالى: “كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ” (آل عمران: 110)، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها” رواه ابن جرير، وقال الإمام ابن كثير: “ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى: “كَانُواْ لا يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ” (المائدة: 79). وبترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحل العقاب، فقد قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطيبا في الناس فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وقال: “أيها الناس: إنكم تقرءون هذه الآية “يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذَا اهتَدَيتُم...” (المائدة: 105)، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب)” رواه الإمام أحمد. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مقصوراً على جهة معينة كرجال الحسبة، بل هو واجب على كل أحد، كلٌ بحسب استطاعته، ولكن ينبغي مراعاة التدرج في الإنكار، فلا يتحول المرء إلى مرتبة حتى يعجز عن التي قبلها، فلا ينكر بقلبه من يستطع الإنكار بلسانه، وهكذا. ومن كانت له ولاية فإنكاره يكون بأعلى مراتب الإنكار، فرب الأسرة هو السيد المطاع في البيت، وتغييره يكون بيده فهو قادر على إزالة المنكر بيده، ولا يعذر بترك ذلك. ويجب أن يستحضر المُنكِرُ قاعدة المفاسد والمصالح، وألا يبادر إلى الإنكار إلا إذا علم أن مصلحته راجحة على مفسدته، ومتى علم رجحان المفسدة وجب عليه الكف حتى لا يفتح باب شر وإفساد، وإذا عجز عن المرتبة الأولى والثانية فلا يغفل عن قلبه ويمر عليه المنكر دون إنكار بالقلب وظهور آثار ذلك على صفحات وجهه.
- الحق الخامس: إرشاد السبيل، المقصود هداية السائل عن الطريق، ويكون ذلك بإرشاد السائل وهدايته سواءً كان ضالا أو أعمى، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك صدقة، كما في الحديث: (ودلُّ الطريق صدقة) رواه البخاري
.