بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال رحمه الله تعالى: أخبرنا ابن عبد الجبار، قال: أخبرنا الصفار، قال: حدثنا الرمادي، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن الزبير، أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قام بالجابية خطيبا فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام فينا مقامي فيكم فقال: « أكرموا أصحابي فإنهم خياركم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب؛ حتى يحلف الإنسان على اليمين لا يسألها، ويشهد على الشهادة لا يسألها، فمن سره بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة؛ فإن الشيطان مع الفذ، وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن »
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على عبد الله رسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذا الحديث هو موقوف على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ بل إن عمر -رضي الله عنه- رواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام فينا مقامي فيكم، فقال: « أكرموا أصحابي »1 إلى آخر الحديث.
هذا الحديث لا بأس بسنده رواه عبد الرزاق في المصنف، والطبراني في الصغير، والبغوي في شرح السنة، وابن منده في الإيمان، كما أشار إليه المحقق، ورواه أحمد في المسند أيضا من طريق جرير، عن عبد الملك عن عمير، عن جابر، عن سمرة قال: خطب عمر الناس بالجابية، ورواه أحمد أيضا من طريق علي بن إسحاق، عن عبد الله بن المبارك، عن محمد بن سوقة، وقال المحقق: إسناده صحيح. وصححه الألباني، وهو حديث صحيح.
وفي هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « أكرموا أصحابي فإنهم خياركم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب؛ حتى يحلف الإنسان على اليمين لا يسألها، ويشهد على الشهادة لا يسألها »1 هذا الحديث دل على ما دلت عليه الأحاديث الأخرى من أن القرون المفضلة ثلاثة، كما في الحديث الآخر: « خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن »2 بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن القرون المفضلة ثلاثة، دل على ذلك أحاديث كثيرة بأن القرون المفضلة ثلاثة، وهذا الحديث دل على ما دلت عليه « أكرموا أصحابي فإنهم خياركم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم »1 .
ثم بعد القرون المفضلة حصل الاختلاف. حصل التغير، ولهذا قال: « ثم يظهر الكذب حتى يحلف الإنسان على اليمين لا يسألها »1 من عدم تورعه وجرأته يحلف على اليمين قبل أن يسألها، « ويشهد على الشهادة لا يسألها »1 كما في الحديث الآخر: « ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون »3 لضعف إيمانهم وقلة ديانتهم.
ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « فمن سره بحبوحة الجنة »1 ؛ يعني وسط الجنة، « فعليه بالجماعة »1 يعني: فليزم جماعة المسلمين، « فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد »1 هذا الحديث فيه حث على لزوم الجماعة، ومناسبته للترجمة واضحة، فإن الترجمة ( باب وجوب النصيحة ولزوم السنة والجماعة )، فهذا الحديث فيه أمر بلزوم أهل السنة، قال: « فمن سره بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة »1 يلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
وكما في حديث حذيفة الذي رواه الإمام البخاري قال: « تلزم جماعة المسلمين وإمامهم »4 لما سأله في وقت اختلاف الفرق قال: « تلزم جماعة المسلمين وإمامهم »4 هنا قال: « فمن سره بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة؛ فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد »1 يعني: كلما كان الإنسان مع الجماعة كلما بعد عن الشيطان وعن الاختلاف.
ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « ولا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما »1 هنا فيه تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، وأنه يحرم على الرجل أن يخلو بامرأة ليس لها بمحرم؛ ولو كانت بنت عمه، أو بنت خاله، أو زوجة أخيه، أو زوجة عمه، تعتبر أجنبية منه، فلا يخلو بها في البيت وحدها، أو في السيارة وحدها، أو في المصعد الكهربائي؛ بل لا بد أن يكون معهم ثالث تزول به الخلوة إذا كان في البلد، بشرط أن لا يكون هناك ريبة، فإن كان هناك ريبة وحتى ولو كانت اثنين أو ثالث لو كانوا ثلاثة أو أربعة، إذا لم يكن هناك ريبة تزول الخلوة بأن يكون معهم ثالث، إما تكون معه زوجته، أو تكون معه أمه، أو ولد كبير بالغ، أو بنت كبيرة بالغة مع التحشم مع الحشمة والتحجب. أما السفر فلا يجوز السفر ولو كانوا ثلاثة، لا يجوز للمرأة أن تسافر ولو كانت مع ثلاثة أو أربعة إلا أن يكون معها محرم، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم »5 .
ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « ومن سرته حسنتة وساءته سيئته فهو مؤمن »1 فيه دليل على أن المؤمن هو الذي يعمل الحسنة ويسر بها، وإذا عمل سيئة ساءته. دليل على أن الإيمان يزيد وينقص. نعم.
والشاهد من الحديث: الأمر بلزوم الجماعة في قوله: « ومن سره بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة »1 فالواجب على الإنسان أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وأن يحذر من الفرقة والاختلاف. نعم.
1 : الترمذي : الفتن (2165) , وابن ماجه : الأحكام (2363) , وأحمد (1/18).
2 : البخاري : المناقب (3650) , ومسلم : فضائل الصحابة (2535) , والترمذي : الفتن (2222) , والنسائي : الأيمان والنذور (3809) , وأبو داود : السنة (4657) , وأحمد (4/427).
3 : البخاري : الرقاق (6428) , ومسلم : فضائل الصحابة (2535) , والترمذي : الفتن (2222) , والنسائي : الأيمان والنذور (3809) , وأبو داود : السنة (4657) , وأحمد (4/427).
4 : البخاري : المناقب (3606) , ومسلم : الإمارة (1847) , وأبو داود : الفتن والملاحم (4244) , وابن ماجه : الفتن (3979) , وأحمد (5/386).
5 : البخاري : الجمعة (1088) , ومسلم : الحج (1339) , والترمذي : الرضاع (1170) , وابن ماجه : المناسك (2899) , وأحمد (2/437) , ومالك : الجامع (1833).