ففي حياة الأمم والشعوب، أحداثٌ خالدة، وأيام مجيدة، تحمل في طياتها ما يغرم القلوب، ويبهم النفوس، ولقد شرفت هذه الأمة بأعظم الأحداث، وأكمل الأيام، وأتم الليالي.
ومما أنعم به الخالق على هذه الأمة، ليلة وصفها الله -عز وجل- بأنها مباركة، لكثرة خيرها وبركتها وفضلها. إنها ليلة القدر، عظيمة القدر، ولها أعظم الشرف وأوفى الأجر.
أُنزل القرآن في تلك الليلة، قال الله -جل وعلا-: (إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ)(القدر: 1، 2)، وقال -جل وعلا-: (إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيلَةٍ, مُبَارَكَةٍ, إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ)(الدخان: 3)، وهذه الليلة، هي في شهر رمضان المبارك ليست في غيره، قال الله -تعالى-: (شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ)(البقرة: من الآية185).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وقد سميت الليلة بهذا الاسم، لأن الله -تعالى- يقدّر فيها الأرزاق والآجال، وحوادث العالم كلها، فيكتب فيها الأحياء والأموات، والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والحاج والداج، والعزيز والذليل، والجدب والقمط، وكل ما أراده الله - تعالى -في تلك السنة، ثم يدفع ذلك إلى الملائكة لتتمثله، كما قال -تعالى-: (فِيهَا يُفرَقُ كُلٌّ أَمرٍ, حَكِيمٍ,)(الدخان: 4) وهو التقدير السنوي، والتقدير الخاص، أما التقدير العام فهو متقدم على خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة كما صحت بذلك الأحاديث.
هذا وقد نوّه الله بشأنها، وأظهر عظمتها، فقال -جل وعلا-: (وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ,)(القدر: 2، 3)، فمن تُقبِّل منها فيها، صارت عبادته تلك تفضل عبادة ألف شهر، وذلك ثلاثة وثمانون عاماً وأربعة أشهر، فهذا ثواب كبير، وأجر عظيم، على عمل يسير قليل.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه" خرّجه البخاري ومسلم، يحييها الإنسان تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه، وطلباً للأجر، لا لشيء آخر، والعبرة بالاجتهاد والإخلاص، سواء علم بها أم لم يعلم.
فلتحرص أيها الأخ الكريم على الصلاة والدعاء في تلك الليلة، فإنها ليلة لا تشبه ليالي الدهر، فخذ أيها الإنسان بنصيبك من خيرها الحَسَن، واهجر لذة النوم وطيب الوَسَن، وجافِ جنبيك عن مضجعك الحَسَن.
وأما وقتها وتحديدها في رمضان، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وآخر ليلة في رمضان. قال الشافعي -رحمه الله-: "كأن هذا عندي والله أعلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجيب على نحو ما يُسألأ عنه، يُقال له: أنلتمسها في ليلة كذا؟ فيقول: التمسوها في ليلة كذا" ا. هـ.
لمتابعة المقالة هنا