السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد:
قال الإمام الناصح والعالم المصلح ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ في "الرسالة التبوكيه"(ص:76ـ7:
وقوله - تعالى -: { فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) }
متضمن وجوهاً من المدح، وآداب الضيافة، وإكرام الضيف.
منها قوله: { فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ }
والروغان: الذهاب بسرعة واختفاء، وهو يتضمن المبادرة إلى إكرام الضيف، واﻻختفاء لترك تخجيله، وأﻻ يعرضه للحياء، وهذا بخﻼف من يتثاقل، يتبارد على ضيفه، ثم يبرز بمرأى منه، ويحل صُرَّة النفقة، ويزن ما يأخذ، ويتناول اﻹناء بمرأى منه، ونحو ذلك مما يتضمن تخجيل الضيف وحياءه.
فلفظة "راغ" تنفي هذين اﻷمرين
وفي قوله تعالى: { إِلَى أَهْلِهِ }
مدح آخر، لما فيه من اﻹشعار أن كرامة الضيف معدة حاصلة عند أهله، وأنه ﻻ يحتاج أن يستقرض من جيرانه، وﻻ يذهب إلى غير أهله، إذ نُزُلُ الضيف حاصل عندهم.
وقوله: { فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ }
يتضمن ثﻼثة أنواع من المدح:
أحدها: خدمة ضيفه بنفسه، فإنه لم يرسل به، وإنما جاء به بنفسه.
الثاني: أنه جاءهم بحيوان تام لم يأتهم ببعضه، ليتخيروا من أطايب لحمه ما شاءوا.
الثالث: أنه سمين ليس بهمزول، وهذا من نفائس اﻷموال، ولد البقرة السمين، فإنهم يعجبون به، فمن كرمه هان عليه ذبحه وإحضاره.
وقوله: { إِلَيْهِمْ }
متضمن لمدح وأدب آخر، وهو إحضار الطعام إلى بين أيدي الضيف، بخلاف من يهيئ الطعام في موضع ثم يقيم ضيفه، فيورده عليه.
وقوله: { أَلَا تَأْكُلُونَ }
فيه مدح وأدب آخر، فإنه عرض عليهم اﻷكل بقوله: { أَلَا تَأْكُلُونَ }
وهذه صيغة عرض مؤذنة بالتلطف، بخلاف من يقول: ضعوا أيديكم في الطعام، كلوا، تقدموا، ونحو ذلك.