تعليم اللغة الهيروغليفية
كلمة هيروغليفية تعني "نقش مقدس" (من الإغريقية ἱερογλύφος)، و المصطلح كما يستخدمه دارسوا نظم الكتابة يدل على فئة من نظم الكتابة التصويرية تندرج تحتها الكتابة الهيروغليفية المصرية و نظم كتابة أخرى منها المايا و الكتابة الصينية في بداياتها، إلا أنها في الاستعمال الشائع تدل على المصرية.
و الهيروغليفية هي نظام الكتابة الذي استعمل في مصر القديمة لتسجيل اللغة المصرية. أقدم ما وصلنا مكتوبا بالهيروغليفية مخطوط رسمي مابين عامي 3300 ق.م. و3200 ق.م. في هذا المخطوط أستخدمت الصور لتعبر عن أصوات أولية. وأخذت الهيروغليفية صورها من الصور الشائعة في البيئة المصرية. وكانت تضم الأعداد والأسماء وبعض السلع. كما استعملت الهيروغليفية لنقش النصوص الدينية علي جدران القصور والمعابد والمقابر و أسطح التماثيل والألوح الحجرية المنقوشة والألواح الخشبية الملونة، و كانت تعد في آن واحد تسجيلا و فنا زخرفيا جميلا.
بعد اندثار المعرفة بقرائتها في عصور لاحقة و استبدالها بنظم كتابة أخرى مثل الهيراطيقية و الديموطيقية ثم الخط القبطي، انشغل عديدون بمسألة حل رموزها، و يذكر في المصادر القديمة أن ذا النون المصري و ابن وحشية كانا قادرين على قراءتها، و لو جزئيا.
في العصر الحديث كان لاكتشاف حجر رشيد على يد ضابط في الحملة الفرنسية، و ما تلاه من عمل شامبليون على فك رموزها أثر كبير على تقدم علم المصريات.
تاريخه و تطورها
منذ نشأت المجتمعات المنظمة ظهرت الحاجة إلى حفظ سجلات المعاملات التجارية و حصر الإنتاج الزراعي و الثروة الحيوانية، و المراسلات بين التجار، و بظهور الدولة ازدادت الحاجة إلى الكتابة كوسيلة للتنظيم، و تسجيل مقادير الموظفين و مؤونة الجنود، و سجلات الضرائب، و حفظ التراث الديني و سير الملوك و الآلهة.
لذا فقد عدت الكتابة منحة إلهية و ممارستها طقسا، و نال الكتبة مكانة رفيعة اجتماعيا و حظوة عند الملوك، و اقتصر تعليم الكتابة على الصفوة.
مرت الكتابة في مصر القديمة بمراحل متعددة:
الخط الهيروغليفي
هي أولى الخطوط التي كتب بها المصري القديم لغته، وقد عدت كتابة مقدسة و رسمية حيث أنها كانت تستخدم للكتابة على جدران الأماكن المقدسة مثل المعابد والمقابر، و كانت رموزها تنقش على الأحجار بأسلوبي النقش البارز أو الغائر على الجدران و المنقولات مثل التماثيل واللوحات والصلايات.
تتكون الكتابة الهيروغليفية من مجموعة من النقوش المستمدة من الحياة اليومية فهي كتابة تصويرية بالإضافة لوجود حروف أبجدية وإن كانت أكثر تعقيدا من الأبجدية المعروفة الآن في اللغات المنتشرة فالأبجدية في الهيروغليفية تنقسم لثلاثة مجموعات.
المجموعة الأولى: هي الرموز الأحادي، أي الحروف أحادية الصوت مثل الحروف المعتادة اليوم
المجموعة الثانية: الرموز الثنائية الصوت، وهي رمز أو نقش واحد ولكن ينطق بحرفين معا
المجموعة الثالثة: الرموز ثلاثية الصوت، وهي نقش أو رمز واحد ولكن يعني ثلاثة )
وذلك بالإضافة لمجموعة من العلامات الأخرى والتي لا تنطق نهائيا وإنما هي من أجل أغراض نحوية مثل تحديد المثنى والجمع والمذكر والمؤنث وبعض الرموز المؤكدة للمعنى والتي تعرف بالمخصصات .
الخط الهيراطيقي
أشتقت كلمة هيراطيقي من الكلمة اليونانية ( هيراتيكوس ) ( Hieratikos ) وتعني كهنوتي حيث كان النظام الذي طوره الكهنة لتدوين النصوص الدينية و الوصفات السحرية و سجلات المعابد و الأديرة على لفائف البردي ويعد تبسيطا للخط الهيروغليفي يتميز بمناسبته للكتابة بالحبر و القلم عاى الورق.
الخط الديموطيقي
اشتق اسمه من الكلمة اليونانية "ديموس" والنسبة منها "ديموتيكوس" وتعني الشعبي وهو كما يظهر من اسمه خط للاستخدام اليومي، خط مبسط من الهيراطيقي يتميز باختصاره و سرعة كتابته و سلاسة أشكاله و مناسبتها للكتابة اليدوية بالقلم.
الخط القبطي
وهو آخر ما استخدم من نظم لكتابة اللغة المصرية في أخر مراحلها، و هي القبطية، و لذلك ارتبط اسماهما.
في ذلك الوقت، كانت مصر تحت حكم اليونانيين، و ربما وجد المتعلمون و الكهنة أن استخدام نظام كتابة مشتق من الأحرف اليونانية يشكل ميزة، فاستنبطوا نظاما لكتابة اللغة المصرية قوامه أحرف اللغة اليونانية مضافا إليها سبعة رموز لتسجيل أصوات وجدت في اللغة المصرية و لم توجد في اليونانية.
أثره
كان انتقال المصريين إلى كتابة لغتهم باستخدام نظام الكتابة القبطية المبني على النظام اليوناني هو نهاية تطور نظم الكتابة المحلية في مصر. إلا أن تاريخ تطور نظم الكتابة كان للهيروغليفية المصرية فيه أثر كبير إذ شكلت رموزها الأساس الذي بنى عليه الساميون نظم الكتابة الأبجدية الأولى التي بنيت عليها اليونانية و من بعدها نظم عديدة للكتابة حول العالم.
فك طلاسمها
تعود المحاولات الاولى لفك طلاسم الكتابة الهيروغليفية إلى الاغريق. وقد ساد الاعتقاد لديهم ان الرموز الهيروغليفية هي رموز صورية. من كتابات الاغريق عن هذا الموضوع وصلتنا مخطوطة واحدة هي "الهيروغليفية" لمؤلفها هورابولون Hieroglyphica of Horapollon.
في أوروبا خلال العصور الوسطى لم يكن هنالك اهتمام بالهيروغليفية إلا أنه عام 1422 وصلت مخطوطة هورابولون إلى البندقية مما أثار الاهتمام بها حتى أن بعض فناني عصر النهضة قاموا برسم رموز متخيلة بناء لأوصاف هورابولون واستعملوها في رسومهم كعناصر فنية.
وقد قامت عدة محاولات لكشف طلاسم الهيروغليفيه قبل اكتشاف حجر رشيد في العصر الحديث، منها محاولات الأب كرشر اليسوعى الذى عرف أن القبطيه ماهى إلا لهجة أو لغة منحدرة من المصرية القديمة.
وأول جهود بعد اكتشاف حجر رشيد كانت محاولات فيليب دى ساسى 1802 وكان عالما بالعربية وقد انصبت محاولاته على الخط الديموطيقي لأنه ظن أن له علاقه بخط الرقعة العربي لتشابههما ظاهريا في الانسياب، إلا أن أبحاثه لم تسفر إلا عن نتيجه واحدة وهى أنه عرف أن أسماء الملوك توضع في خرطوش و هو مما أقاد شامبليون لاحقا.
بعد اكتشاف حجر رشيد خلال الحملة الفرنسية على مصر قام العالم شامبوليون بنشر اكتشافه حول كيفية فك طلاسم اللغة الهيروغليفية عام 1822. وقد اعتبر شامبوليون أول من اكتشف أن الرموز الهيروغليفية هي رموز صوتية وقام بفك رموزها.
الا أنه عام 2004 كشف عالم المصريات عكاشة الدالي أن أول من اكتشف أن الرموز هي عبارة عن رموز صوتية أي حرف هو العالم العربي ابن وحشية وكان ذلك في مؤلفه شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام الذي درس فيه 89 لغة و نظام كتابة قديمة منها الهيروغليفة وقام بتحليل العديد من رموزها الذي وضعه سنة 861م، وقد حقق المستشرق النمساوي جوزف همر تلك المخطوطة وترجمتها إلى الإنجليزية ونشرها في لندن عام 1806 أي 16 عاما قبل اكتشاف شامبوليون، و نشر خبر ذلك في عدة وسائل اعلام غربية . كما أن الباحث السوريّ يحيى مير علم توصل إلى ذات النتيجة وذهب البعض إلى القول أن شامبوليون كان قد اطلع تلك هذه المخطوطة إلا انه لا توجد لدينا دلائل تؤكد أو تدحض هذا الادعاء.