بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد بن عبدالله الصادق الأمين
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
المذهب الحنفي
ينسب هذا المذهب إلى الامام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي
الكوفي ، ولد سنة 80 للهجرة بالكوفة وهو من أتباع التابعين وقيل أنه من
التابعين لأنه أدرك أربعة من الصحابة وربما لقي بعضهم ، بدأ حياته العلمية
بدراسة علم الكلام ثم تعلم فقه مدرسة الكوفة على شيخه حماد بن أبي سليمان
وغيره من أجلاء التابعين وأخذ الحديث عن كثيرين من العلماء ، وبلغ في الفقه
منزلة لم يصل إليها أحد ممن عاصره ، وكان معروفاً بالورع وصدق المعاملة
والزهد في الدنيا ، ويدل على ذلك رفضه القضاء بالكوفة ونال من ذلك بلاء
شديد في عهد الأمويين وكذلك عندما عرض عليه القضاء في عهد العباسيين أصر
على رفضه فحبس وعذب وضرب حتى أشرف على الهلاك ، ومن سمات النذهب الحنفي أنه
كان يقوم على الشورى في الرأي بين الشيخ والتلاميذ وأن الشيخ كان حريصاً
على بناء الرجال أكثر من تأليف الكتب ، ولهذا لم يؤثر عنه مؤلفات فقهية وقد
دون تلاميذه فقهه ومع هذا يظل شأنه كما قال الإمام الشافعي عنه : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة .
أصول المذهب الحنفي
يأخذ بالكتاب الكريم كسائر الأئمة ،ويأخذ بالسنة وان كان له مسلك خاص نحوها
فهو يتشدد قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقبله إلا اذا
رواه جماعة عن جماعة أو كان خبراً اتفق فقهاء الأمصار على العمل به أو روى
واحد من الصحابة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع منهم فلم
يخالفه أحد ، ومع هذا لم تكن بضاعته منها قليلة ويدل جامع مسانيد الإمام
الاعظم الذي جمعه الخوارزمي، وهو يضم خمسة عشر مسنداً على فساد من زعم قلة
اعتناء أبي حنيفة بالحديث أو انه كان يقدم استعمال الرأي على أتباع الحديث ،
وكان يأخذ بأقوال الصحابة أيضاً غير أنه كان يعمل عقله فيما اذا روي في
المسألة قولان أو أكثر لهم فيختار منها أعدلها وأربها إلى الأصول العامة ،
وكان لا يعتد بأقوال التابعني إلا أن يوافق اجتهاده ويرى أنهم لا يمتازون
بميزة تجعل لما روي عنهم مكانة تلزم العمل بأقوالهم وهم قوم اجتهدوا فيجب
عليه أن يجتهد مثلهم . وقد توسع النعمان بن ثابت في القياس والإستحسان ،
وجاء أنه كان يمضي الأمر على القياس فاذا قبح القياس يمضيها على الإستحسان
ما دام يمضي له ، فإذا لم يمض له رجع إلى ما يتعامل المسلمون به ، وكان
يأخذ بالعرف أيضاً والإجماع كذلك . الواقع أن أبا حنيفة كان ماهراً في
القياس وأعانه على ذلك ما كان يتمتع به من دقة النظر وسرعة الخاطر وقوة
الحجة ، وكان ماهراً في الإستحسان أيضاً ، وقد ذكر تلميذه الإمام محمد بن
الحسن أن أصحاب أبي حنيفة عندما كانوا ينازعونه في المقاييس فإذا قال لهم
استحسن لم يلحقه أحد . فأصول مذهب الحنفي هي : الكتب والسنة واجماع الصحابة والقياس والإستحسان والعرف .
تلاميذ أبي حنيفة
أبو يوسف
: يعقوب بن اببراهيم الأنصاري ولد سنة 113 للهجرة ولما شب اشتغل بالحديث
فنبغ فيه وأخذ الفقه عن ابن أبي ليلى ثم انقطع إلى أبي حنيفة ،وقد رحل إلى
الحجازوأخذ عن الإمام مالك وناظره في بعض المسائل ولذا كان يعتبر أول من
قرب بين مدرستي أهل الحديث وأهل الرأي ، وقد تولى القضاء سبع عشرة سنة في
زمن الهادي والمهدي والرشيد ، ويقال أن مؤلفاته بلغت أربعين كتاباً لم يبق
منها إلا أربعة كتب وأشهرها (الخراج) .
زفر بن الهذيل بن قيس الكوفي
ولد سنة 110 للهجرة وكان من أهل الحديث ثم بلغ عليه الرأي ، وقد شهد
الإمام أبوحنيفة بأن زفر إمام من أئمة المسلمين وعلم من أعلامهم ، وتوفي
سنة 158 للهجرة ، فهو أقدم أصحاب أبي حنيفة موتاً .
محمد بن الحسن الشيباني
ولد بالعراق سنة 131 للهجرة أو أوائل سنة 132 للهجرة ونشأ بالكوفة ، ودرس
فقه العراق على أبي حنيفة وأبي يوسف ، ورحل إلى الإمام مالك فأخذ عنه فقه
أهل الحجاز وروى عنه الموطأ ، والإمام محمد هو أول من دون الفقه العراقي
تدويناً علمياً شاملاً ، وهو أول من كتب في العلاقات الدولية الإسلامية
كتاباً جامعاً هو (السير الكبير) ، فهو مجتهد مطلق لا يقل مرتبة عن الأئمة الذين نسبت إليهم المذاهب.
الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي ،
اشتغل بالسنة ثم بالفقه ، وقد تتلمذ لأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ،
ورواياته الفقهية عند الحنفية قليلة بالنسبة للثلاثة ، وتوفي سنة 204
للهجرة .
فالفضل الأكبر في انتشار المذهب الحنفي ونصرة آرائه يعود إلى الصاحبين أبي
يوسف ومحمد وان اختلفا مع شيخهما في كثير من الآراء وبخاصة الإمام محمد
الذي خالف أستاذه في ثلثي مذهبه .
وهناك عدد كثير من التلاميذ والأتباع عرفهم القرن الثاني والثالث وبلغوا في العلم مبلغاً طيباً .
مواطن انتشار المذهب الحنفي
انتشر في العراق أولاً ، ولعل اعتناق الدولة العباسية هذا المذهب واسنادها
القضاء إلى الإمام أبي يوسف أول تلاميذ أبي حنيفة الذي كان لا يولي القضاء
في الدولة إلا من كان حنفي المذهب السبب الأكبر في انتشاره في العراق وسائر
أقاليم الدولة الإسلامية كفارس ومصر والشام والمغرب ، وفي عهد الدولة
العثمانية كان المذهب الحنفي هو مذهب الدولة الرسمي في كل الولايات التي
تخضع لحكمها وساعد هذا على انتشار المذهب ، وما تزال معظم الدول التي حكمها
العثمانيون تتمذهب بالمذهب الحنفي حتى الآن كتركيا والعراق وبلاد الشام ،
وينتشر أيضاً في العصر الحاضر في الهند ومصر وبخاصة في إقليم الصعيد .
كتب المذهب الحنفي
تعد كتب ظاهر الرواية التي ألفها الإمام محمد بن الحسن المصدر الاول للفقه
الحنفي ، وقد اختصر هذه الكتب الحاكم الشهيد أبوالفضل محمد بن أحمد المروزي
في كتابه الكافي ، ولهذا المختصر أهمية خاصة في المذهب ، لانه جمع مسائل
كتب الإمام محمد بعد حذف المكرر منها ومن ثم شرحه عدد من الفقهاء ، وجاء
شرح الإمام أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي في كتابه المبسوط موسوعة فقهية في المذهب الحنفي طبعت في ثلاثين جزءاً من القطع الكبير ، واما كتاب تحفة الفقهاء
لعلاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي فهو من الكتب المهمة في المذهب الحنفي
تجنب فيه مؤلفه الطول الممل والإيجاز المخل ، ورتب الأبواب والمسائل
ترتيباً منطقياً وهذا الكتاب لا يخلو من الإشارة أحياناً إلى بعض آراء
الإما الشافعي أو الإمام مالك . ولعلاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني
شرح على تحفقة الفقهاء ، وهذا الشر يتسم بالدقة في التبويب والتفريع وأسماه بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع
، وعلل لهذا التسمية بأن كتابه صنعة بديعة وترتيب عجيب وترصيف غريب ، لكن
هذا الكتاب لم يخدم الخدمة العلمية التي تتناسب مع مكانته في الفقه
الإسلامي بوجه عام والفقه الحنفي بوجه خاص فقد عرض فيه الكاساني للخلاف بين
الفقهاء الأحناف ، وغيرهم من فقهاء المذاهب الأخرى مع الإستدلال لكل
الآراء والترجيح بينها ، ومن ثم يدخل هذا الكتب في مجال الدراسة الفقهية
المقارنة وإن كان عمدة في الفقه الحنفي .
أما بالنسبة للمتون الفقهية ، فهناك خمسة متون معتمدة في المذهب عند المتأخرين وهي :
مختصر القدوري لأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري
الوقاية لبرهان الشريعة لمحمود بن أحمد
المختار لأبي الفضل مجد الدين عبدالله بن محمود الموصلي
مجمع البحرين لمظفر الدين أحمد بن علي المعروف بابن الساعاتي
كنز الدقائق لأبي البركات حافظ الدين عبدالله بن أحمد بن محمود النسفي
ولهذه المتون شروح وتعليقات ، ومن اهمها كتاب البحر الرائق للشيخ زين الدين بن ابراهيم بن محمد الشهير بابن نجيم وهو شرح لكنز الدقائق ويعد من المصادر المهمة في الفقه الحنفي .
اصطلاحات المذهب الحنفي
ظاهر الرواية
: ويقصد به في الغالب ، قول أئمة الحنفية الثلاثة أبو حنيفة أبو يوسف
ومحمد ، كما تطلق على مؤلفات الإمام محمد بن الحسن التي رويت عنه روايات
مشتهرة بطريق الثقات .
الإمام : الإمام أبو حنيفة
الشيخان : أبو حنيفة وأبو يوسف
الطرفان : أبو حنيفة ومحمد بن الحسن
الصاحبان : أبو يوسف ومحمد بن الحسن
الثاني : أبو يوسف
الثالث : محمد بن الحسن
لفظ ( له ) : يراد به أنه للإمام أبي حنيفة
لفظ (لهما ، عندهما ، مذهبهما) أي مذهب الصاحبين
أصحابنا : يطلق على الأئمة الثلاثة
المشايخ : من لم يدرك إمام المذهب
المتون : متون الحنفية المعتبرة مثل كتاب مختصر القدوري والبداية والنهاية والمختار والوقاية والكنز .