نحن نعيش في عالم ينبض بالتكنولوجيا والحركة والتقدم والإنترنت والتلفزيون على مدار 24 ساعة مما يعنى أننا نعمل ليلا ًونهاراً، ومواكبة التكنولوجيا الحديثة في هذا العصر تعنى أن نضيف المزيد والمزيد ليومنا أكثر من ذي قبل ونتيجة لذلك لا يخصص الكثيرون منا وقتا كافيا للنوم. وبمرور الوقت تعانى أجسامنا وعقولنا الحرمان من النوم، كما أن الكثيرين يرون أن النوم أمر غير مهم ويعتبرون الشعور بالتعب نوعا من الضعف وبهذا فهم يحاولون التغلب على الشعور بالتعب بدلا من أخذ فترة راحة للنوم.
يتساوى النوم في أهميته مع الطعام والشراب فهو أهمية بيولوجية يجب أن يحصل عليها الجسم لكي نواصل حياتنا فإذا لم نستطع تلبية هذه الحاجة فسوف نعاني الإرهاق، وعلى الرغم من ذلك فالحاجة إلى النوم أمر مختلف عن الحاجة للطعام والشراب؛ لأننا في وسعنا الاختيار بين الطعام والشراب، أما الإرهاق فلا يتوقف، فسواء رضيت أم أبيت فسوف تنام في النهاية.
ويحتاج معظم الكبار من 7-8 ساعات ليلا لكي يستطيعوا العمل بكفاءة طول اليوم، أما من لا ينام بهذا القدر فلا يستطيع العمل بكفاءة.
وللأسف يعتبر الكثير من الناس أن الإرهاق هو عرض يمكن التغلب عليه بالإرادة، ولكن هذا غير حقيقي؛ لأن آثار الإرهاق حتمية, وله الكثير من الآثار العصبية السلوكية، كما أنه يحد من قدرتنا على أداء جميع أنواع الأنشطة سواء كانت جسدية أو عقلية, فعندما نحرم أجسادنا من النوم فلا تستطيع الذاكرة استدعاء الأحداث بكفاءة كما تقل القدرة على رد الفعل وهنا يأتي الخطر مع القيادة. حيث تؤثر القيادة في الكثير من القدرات المعرفية، ففي الظروف العادية نستطيع التفاعل مع مثل هذه الأمور دون مخاطر، ولكن إذا تعلق الأمر بعمل تعتبر فيه السلامة أمرا حرجا كقيادة السيارة فإن هذه الآثار السلبية للإرهاق يمكن أن ينتج منها الكثير من المشكلات والحوادث، وهذه المشكلات تتمثل في عدة مواقف:
- القدرة على فهم الموقف المعقد بكافة جوانبه.
- تقدير المخاطر وتوقع النتائج.
- التفاعل مع المفاجأت والأمور الغير متوقعة.
- تطوير وتحديث استراتيجيات التعامل مع المواقف.
- مواكبة الأحداث المتغيرة.
- التواصل الفعال مع الأمور المحيطة.
- القدرة على التفكير بشكل إبداعي.
الإرهاق والقيادة
يعتبر إرهاق قائد السيارة ونومه من أهم أسباب الحوادث، والسبب الرئيسي للإرهاق قلة النوم، وهناك أسباب كثيرة تبدأ بساعات العمل الطويلة والواجبات الاجتماعية والمرض أو حتى الإزعاج بسبب الأطفال الصغار أو الجيران أو حركة المرور. وتزداد المشكلة سوءا مع تراكم قلة النوم، وقلة النوم لليلة واحدة لن يكون مؤثرا ولكن إذا وصل الأمر إلى عدم النوم جيدا لعدة أيام يحدث تراكم للإرهاق فمثلا إذا قضيت 5 أيام تنام في كل يوم منها ساعتين فقط تكون الحصيلة 10 ساعات، وبذلك يكون جسمك وعقلك يفتقد للنوم ولا تكون القيادة آمنة في هذه الحالات.
الساعة البيولوجية
- لا يرتبط الإرهاق بعدم كفاية النوم فحسب، بل تختلف مستويات اليقظة من وقت إلى آخر خلال الـ 24 ساعة فتكون اليقظة في أدنى حالاتها ويختلف معها كذلك مستوى النبض ودرجة حرارة الجسم، فمثلا تكون اليقظة في أدنى حالاتها في الليل وتقل درجة حرارة الجسم ويقل النبض والهدف من هذا الانخفاض هو إعداد الجسم للنوم، ومن ثم زيادة مستوى اليقظة في الأربع وعشرين ساعة التالية للقيام بنشاط جديد، ويقوم بهذا مجموعة من الخلايا المتراكبة في المخ تعرف بالساعة البيولوجية.
- في الصباح الباكر: تقل القدرة على الأداء بين الساعة 2-6 صباحا، ولكن يشعر الإنسان بالتحسن كلما مضى الوقت باتجاه النهار بحيث تبدأ الساعة البيولوجية في التحرك نحو حالة اليقظة. وهذا يفسر أحيانا سبب وقوع بعض الحوادث المرتبطة بذلك الوقت.
- في الساعة من 3 - 5 بعد الغذاء: يحدث نوع من الخمول لذا قد تكون هناك زيادة في نسبة الحوادث المرتبطة بالإرهاق في ذلك الوقت.
اعتقادات خاطئة
ثمة اعتقادات خاطئة يظن قائد السيارة أنها تخلصه من الخمول والرغبة بالنوم رغم إرهاقه الشديد ومنها:
- إن استنشاق بعض الهواء النقي وسماع صوت المسجل أو الراديو قد يساعد على اليقظة: يساعد هذه الأمر مثل الخروج من السيارة وفرد الساقين ومضغ العلك وتشغيل جهاز التكيف على اليقظة المؤقتة حيث يعود الشعور بالإرهاق بعد دقائق لذا فهذه الأمور لا يجب أن يعتمد عليها دون النوم، فهذه المحاولات يتوقف أثرها فقط عند مقاومة التعب المرتبط بالتركيز في القيادة على الطريق وإمساك عجلة القيادة وليست هي علاج الإرهاق.
- إن الإصرار والدافعية والاحتراف والخبرة من الأمور التي تحمي قائد السيارة من حالات الإرهاق ولكن لا يستطيع أمر منها أن يمنع صاحبه من النوم عندما يكوم مرهقا.
- الغفوات لا يمكن التحكم فيها: المشكلة هي أن من يشعر بالتعب لا يستطيع أن يقدر هل يحتاج جسمه للنوم أم لا بسبب شدة التعب، وتحدث الغفوات القصيرة التي تتراوح بين عدة ثوان و30 ثانية وهي لحظات وقوع الحادث، ولكن متى تحدث؟ لا أحد يعلم! ولكن المهم أنها تحدث كلما طال الإرهاق.