السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ مِن جَزَاءِ الحَسَنَةِ وَعَلامَةِ قَبُولِهَا أَن يُوَفَّقَ العَبدُ بَعدَهَا لاكتِسَابِ الحَسَنَاتِ، وَأَن تُفتَحَ لَهُ أَبوَابُ الخَيرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، وَأَن يُهدَى لِلأَعمَالِ المُضَاعَفَاتِ، فَلا تَرَاهُ يَقفُو الحَسَنَةَ إِلاَّ بِالحَسَنَةِ وَلا يُتبِعُ الخَيرَ إِلاَّ خَيرًا.
وَهُوَ وَإِن ضَاعَفَ الجُهدَ في مَوَاسِمِ الخَيرِ وَاغتَنَمَ الأَيَّامَ الفَاضِلَةَ، فَإِنَّهُ لا يَنفَكُّ يَتَقَرَّبُ إِلى رَبِّهِ بِصَالِحِ العَمَلِ في كُلِّ وَقتٍ وَحِينٍ، دَافِعُهُ في ذَلِكَ وَحَادِيهِ قَولُهُ -جَلَّ وَعَلا- لِنَبِيِّهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- وَلِلأُمَّةِ مِن بَعدِهِ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وَإِنَّ استِدَامَةَ العَبدِ العَمَلَ الصَّالِحَ وَاستِمرَارَهُ في التَّعَبُّدِ، لَدَلِيلٌ عَلَى حَيَاةِ قَلبِهِ وَطُمَأنِينَةِ نَفسِهِ، وَإِنَّ مِن فَضلِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ وَعَظِيمِ مَنِّهِ، أَنَّ فُرَصَ التَّزَوُّدِ لم تَكُنْ مَقصُورَةً عَلَى مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ وَلا زَمَانٍ دُونَ آخَرَ، بَل لِلمُؤمِنِ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ فُرَصٌ مُهَيَّئَةٌ، وَمَا عَلَيهِ إِلاَّ الحِرصُ عَلَى مَا يَنفَعُهُ وَنِيَّةُ الخَيرِ وَعَدَمُ العَجزِ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى رَبِّهِ وَالحَذَرُ مِنَ المَوَانِعِ وَالمُثَبِّطَاتِ، وَالَّتي مِن أَخطَرِهَا عَدُوُّهُ اللَّدُودُ الشَّيطَانُ، ثُمَّ إِيثَارُ الدُّنيَا وَاتِّبَاعُ هَوَى النَّفسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ} [فاطر: 6].
وَقَالَ -تَعَالى-: {فَأَمَّا مَن طَغَىٰ* وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ} [النازعات: 37-41].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ بَينَ أَيدِيكُم عَلَى مَدَى أَيَّامِ العَامِ أَعمَالا جَلِيلَةً، قَد تَكُونُ سَهلَةً يَسِيرَةً، لَكِنَّ أُجُورَهَا عَظِيمَةٌ وَكَبِيرَةٌ، هُنَاكَ الصَّلَوَاتُ الخَمسُ، تِلكُمُ المَحَطَّاتُ الإِيمَانِيَّةُ العَامِرَةُ، وَالبِحَارُ التَّربَوِيَّةُ الزَّاخِرَةُ، الَّتي تُمحَى بهَا الذُّنُوبُ وَالسَّيِّئَاتُ، وَتُزَادُ بها الحَسَنَاتُ وَتُرفَعُ الدَّرَجَاتُ، وَتُطَهَّرُ بها القُلُوبُ وَتُزَكَّى النُّفُوسُ، قَالَ -سُبحَانَهُ-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ} [الأعلى: 14-15].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَمِنَ الأعمَالِ اليَسِيرَةِ ذَاتِ الأُجُورِ الكَثِيرَةِ ذِكرُ اللهِ، وَهُوَ يَبدَأُ مَعَ الإِنسَانِ مُنذُ أَن يُصبِحَ حَتَّى يُمسِيَ، وَأَفضَلُهُ كَلامُ اللهِ -تَعَالى-، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَن قَرَأَ حَرفًا مِن كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشرِ أَمثَالِهَا، لا أَقُولُ: (آلم) حَرفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرفٌ وَلامٌ حَرفٌ وَمِيمٌ حَرفٌ» .
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَن قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ في يَومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، كَانَت لَهُ عَدلَ عَشرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَت لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَت عَنهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَت لَهُ حِرزًا مِنَ الشَّيطَانِ يَومَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمسِيَ، وَلم يَأتِ أَحَدٌ بِأَفضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكثَرَ مِنهُ» .
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «أَيَعجِزُ أَحَدُكُم أَن يَكسِبَ كُلَّ يَومٍ أَلفَ حَسَنَةٍ؟» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِن جُلَسَائِهِ: "كَيفَ يَكسِبُ أَحَدُنَا أَلفَ حَسَنَةٍ؟" قَالَ: «يُسَبِّحُ مِئَةَ تَسبِيحَةٍ، فَتُكتَبُ لَهُ أَلفُ حَسَنَةٍ أَو تُحَطُّ عَنهُ أَلفُ خَطِيئَةٍ» [رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ].
وَعَن جُوَيرِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- أَنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ مِن عِندِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعدَ أَن أَضحَى وَهِى جَالِسَةٌ. فَقَالَ: «مَا زِلتِ عَلَى الحَالِ الَّتي فَارَقتُكِ عَلَيهَا؟» قَالَت: "نَعَم". قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَد قُلتُ بَعدَكِ أَربَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. لَو وُزِنَت بما قُلتِ مُنذُ اليَومَ لَوَزَنَتهُنَّ: سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ، عَدَدَ خَلقِهِ، وَرِضَا نَفسِهِ، وَزِنَةَ عَرشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» [رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ].
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: «مَن قَالَ: سُبحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمدِهِ غُرِسَت لَهُ نَخلَةٌ في الجَنَّةِ» [رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الألبَانيُّ].
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «مَن جَلَسَ في مَجلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبلَ أَن يَقُومَ مِن مَجلِسِهِ ذَلِكَ: سُبحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمدِكَ، أَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ، أَستَغفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيكَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجلِسِهِ ذَلِكَ» [رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ].
وَمِنَ الأَعمَالِ المُضَاعَفَةِ الصَّلاةَ عَلَى النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- حَيثُ قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ بها عَشرًا»[رواه مسلمٌ].
وقال: «مَن صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ عَشرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنهُ عَشرَ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشرُ دَرَجَاتٍ»[رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ].
المصدر: الشيخ/ عبد الله بن محمد البصري - شبكة نور الإسلام