زائر زائر
| موضوع: واخيرا حقيقة وفاة الرئيس هواري بومدين......... 1/6/2013, 17:01 | |
|
كانت أياما باردة ومُثلجة والعالم كان يستريح بمناسبة عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة، ولم يكن يعلم أحد بأن الزعيم الذي أثار الكثير من الجدل وملأت أخباره الصحف وشاشات التلفزة العالمية يُصارع الموت في إحدي غرف مستشفي الكريملن. لم يدّخر الأطباء السوفييت جهدا لإنقاذه قبل أن يستسلموا أمام غموض ذلك المرض. خرج رئيس الأطباء ليعلن للقادة السوفييت بأن الرجل المهم الذي أوصوا عليه قد مات بصورة غامضة. كان جسمه ينخره سمّ قاتل، يفجّر شرايينَه الرفيعة وشُعيراته الدموية، ما أدي إلي نزيف متكرر في جميع أنحاء جسمه. في السابع والعشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 1978 صدرت شهادة وفاة الزعيم. الاسم، محمد ابراهيم بوخروبة (هواري بومدين). السن: ست وأربعون سنة، المهنة: رئيس الجمهورية الجزائرية. هذه الوفاة الغريبة عادت إلي الواجهة في الأسبوعين الماضيين إثر تصريحات لمسؤولين عرب شغلوا مناصب قيادية في تلك الفترة. التصريح الأول جاء علي لسان نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام لإحدي الصحف العربية الصادرة في لندن. أما التصريح الثاني فجاء من وزير شؤون رئاسة الجمهورية والخارجية العراقية الأسبق حامد الجبوري في برنامج شاهد علي العصر الذي تبثه فضائية الجزيرة. خدام قال إنه زار بومدين عندما كان يعالج في موسكو ليعرض عليه إمكانية استضافة الجزائر لزعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني، وعلم بأنه أُصيب بمرض نادر في العالم سبق وأن أُصيب به وديع حداد أحد الزعماء القوميين العرب. أما حامد الجبوري فقد أدلي بمعلومات خطيرة غير مسبوقة، حيث قال إن بومدين أُصيب بوعكة صحية عند إقلاع طائرته من بغداد التي توجهت نحو دمشق التي تستضيف القمة العربية. زيارة بومدين إلي بغداد كانت تدخل في إطار المحافظة علي اتفاق الجزائر الذي أُمضيَ عام 1975 تحت إشرافه بين شاه إيران محمد رضا بهلوي ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة في العراق صدام حسين. الجبوري ذهب أبعد من ذلك وتحدث عن نوعية السّم الذي دُس لبومدين وهو (الثاليوم)، وكشف عن أن بومدين بدت عليه نفس الأعراض التي ظهرت علي شخصين توفيا في بغداد، ولم يذكر جنسية الشخصين ولا إن كانا ينتميان إلي مصالح الرئاسة العراقية. طبعا شهادة الجبوري كانت توجه الاتهامات نحو منحي معين خصوصا وأنه أكد بأن الصاروخ الذي أسقط طائرة وزير الخارجية الجزائري الأسبق محمد الصديق بن يحيي واثني عشر شخصا في الوفد الجزائري في أيار (مايو) 1978 كان صاروخا عراقيا من نوع (جو ـ جو) وقد انطلق من الأراضي العراقية، وهذا ما أكدته التحقيقات الجزائرية الروسية، حيث أشارت موسكو إلي أن الرقم التسلسلي للصاروخ يدل بأنه بيع إلي العراق ضمن صفقة بيع أسلحة روسية إلي بغداد. وكان بن يحيي في زيارة إلي المنطقة للتوسط بين طهران والعراق لإنهاء الحرب. أعود إلي عملية التسميم ودائما أتابع تصريحات حامد الجبوري الذي قال إن وزير الخارجية الجزائري الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي أكد له في جنازة بومدين بأن الجزائر لا تتهم العراق أو سورية بالوقوف وراء هذه العملية، بل إن السلطات الجزائرية لم تفتح تحقيقا أصلا في ملابساتها. هذه الشهادات تضاف إلي شهادة قائد قوات الدرك الجزائرية سابقا العقيد أحمد بن شريف الذي كان مقربا من بومدين حيث قال إن الأخير كان مصابا في جهازه البولي الذي كان يُخرج دما. وقال إن الرئيس أصيب بالمرض بعدما تلقي هدية، كانت كلبين من سلالة دنماركية وقد ماتا مسمومين، والغريب في الأمر أن الأطباء الروس وجدوا عند الكلبين نفس أعراض المرض الموجودة عند بومدين. الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد الذي انتُخب رئيسا للجمهورية عام 1979 خلفا لبومدين قال إنه لا يمكنه الجزم في هذه المسألة، لكن لديه انطباع بأن وفاة بومدين تشبه إلي حد كبير وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. أما رئيس الحكومة الجزائري الأسبق بلعيد عبد السلام (تموز/يوليو 1992 ـ آب /أغسطس 1993) فكان من القليلين الذي اتهموا جهة ما بالوقوف وراء وفاة الرئيس. قال عبد السلام إن الرئيس بومدين أسرّ لي بنفسه، عام 1975، بأنه مهدد في حياته بسبب الوضع المتفجر في الشرق الأوسط. وذكر بلعيد عبد السلام نقلا عن بومدين قوله (إن حياته مهددة من أطراف خارجية). بعد استعراض هذه الشهادات يمكننا كجيل جديد يحاول حفر الذاكرة الوطنية واستخلاص العبر من التجارب أن نطرح تساؤلات منها: لماذا يقتصر الحديث عن أسباب وفاة الرئيس بومدين دائما علي الشخصيات السياسية العربية دون غيرها؟ فأين شهادات القادة الروس الذين كانت تنتشر مخابراتهم في كل الدول العربية، وأين شهادات المسؤولين في العواصم الغربية، فهل هناك شيء ما يراد إخفاؤه؟ تظل الشهادات الجزائرية والعربية ناقصة، فعندما يتحدث العقيد بن شريف عن هدية الكلاب من سلالة دنماركية ولا يتحدث عن صاحب الهدية فتلك شهادة منقوصة، كما أن تلميح حامد الجبوري إلي وقوف صدام وراء عملية التسميم لا يرقي إلي أخذه كحقيقة تاريخية خصوصا إذا علمنا أن الوزير العراقي الأسبق أبعده صدام عن مهامه وعاش سنوات طويلة في دائرة الظل بين بريطانيا وإيطاليا. ويمكننا أن نتساءل، هل غضب صدام من وساطة بومدين بينه وبين شاه إيران يمكن أن يؤدي به إلي تفجير طائرة وقتل رئيس دولة دون أن يتحرك حتي أصدقاء الجزائر من السوفييت آنذاك؟ وإذا سلمنا بنظرية تورط اليد الخارجية في اغتيال بومدين، فماذا عن الشهادات الجزائرية التي توحي بأن مجموعة من رفاق الرئيس في الكفاح الذين حرمهم بعد الاستقلال من رفاهية السلطة هي التي تقف وراء العملية؟ ويستدل هؤلاء علي ذلك بتغير بوصلة السياسة الداخلية في الجزائر بثلاثمئة وستين درجة بعد وفاة الرئيس وبدأت تلك المرحلة بترقية شخصيات عسكرية كانت تُعتبر في الماضي ضمن دائرة أعداء الثورة. عموما فإن الشهادات التي تصدر عن أشخاص وليس عن مؤسسات، تبقي دائما خاضعة لآراء ذاتية تمارس عملية تصفية لحسابات ضيقة وتفتقد إلي الموضوعية، وهنا لا أتحدث عن أسباب وفاة الرئيس الجزائري الأسبق، فالتقارير الطبية لا يرقي إليها الشك، وإنما أتحدث عن الأجهزة والكيانات التي تقتضي مصالحها تصفية بومدين جسديا. هناك من يقول لو كان بومدين قد توجه إلي مستشفي (ليون) الفرنسي لأنقذته التكنولوجيا الغربية المتطورة من السم القاتل. ونحن نقول لو انتظرنا فتح أرشيف المخابرات الغربية لعرفنا حقيقة من قتل بومدين.
|
|
|