تعريف الصحابي
ولما أن كان هذا المختصر شاملاً لجميع أنواع علوم الحديث استطردت منه إلى تعريف الصحابي من هو ؟ . فقلت : ( هُوَ مَنْ لَقِيَ النبي صَلَى اللَّه عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّم مُؤْمِناً بِهِ وَمَاتَ عَلَى الإسْلامِ وَلَوْ تَخَلَّلتْ رِدَّةٌ فِي الأصَحِّ ) . والمراد باللقاء ما هو أعم من المجالسة والمماشاة ووصول أحدهما إلى الآخر وإن لم يكالمه ، وتدخل فيه رؤية أحدهما الآخر سواء كان ذلك بنفسه أو بغيره ، والتعبير باللقي أولى من قول بعضهم : الصحابي من رأى النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، لأنه يُخرج حينئذ ابن أم مكتوم ونحوه من العميان ، وهم صحابة بلا تردد
واللقي في هذا التعريف كالجنس ، وقولي : « مؤمناً » كالفصل يخرج من حصل له اللقاء المذكور لكن في حال كونه كافرا ، وقولي : « به » فصل ثان يخرج من لقيه مؤمناً لكن بغيره من الأنبياء .
لكن هل يخرج من لقيه مؤمنا بأنه سيبعث ، ولم يدرك البعثة ، وفيه نظر ، وقولي : « ومات على الإسلام » فصل ثالث يخرج من ارتد بعد أن لقيه مؤمناً به ، ومات على الردة كعبد اللّه بن جحش ، وابن خطل .
وقولي : « ولو تخللت ردة » أي بين لقيه له مؤمناً به وبين موته على الإسلام ، فإن اسم الصحبة باقٍ له سواء رجع إلى الإسلام في حياته صلى اللّه عليه وسلم أم بعده ، وسواء لقيه ثانيا أم لا . وقولي : « في الأصح » إشارة إلى الخلاف في المسألة ، ويدل على رجحان الأول قصة الأشعث بن قيس ، فإنه كان ممن ارتد ، وأُتى به إلى أبي بكر الصديق أسيراً ، فعاد إلى الإسلام فقبل منه ذلك وزوجه أخته ، ولم يتخلف أحد عن ذكره في الصحابة ، ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها .
تنبيهان : أحدهما : لا خفاء في رجحان رتبة من لازمه صلى اللّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وقاتل معه ، أو قتل تحت رايته ، على من لم يلازمه ، أو لم يحضر معه مشهداً ، وعلى من كلمه يسيراً ، أو ما شاهُ قليلاً ، أو رآه على بعد ، أو في حالة الطفولية ، وإن كان شرف الصحبة حاصلاً للجميع .
ومن ليس له منهم سماع منه ، فحديثه مرسل من حيث الرواية ، وهم مع ذلك معدودون في الصحابة ، لما نالوه من شرف الرؤية .
شرْحُ نخبة الفكر في مُصْطلح أهْل الأثر
أبو الفضل أحمد بن عليّ العسقلاني الشهير بابن حجر